صناعة تعليب الطماطم في تونس : كارثة تتجاوز الإطار البيئي

تشكّل صناعة تعليب الطماطم في تونس تحدّيات جسيمة للموارد المائية والطاقة الكهربائية والبيئة. فهي تستنزف التربة من طبقتها الأغنى بالمغذّيات النباتية، مما يُلحق ضررًا بالقطاع الزراعي والمزارعين الذين يعانون من أجور متدنّية. هذه المعضلة تمتدّ لقطاع تصنيع الخضار والفواكه بأكمله، حيث تواصل كبرى المجموعات الصناعية عملها في مناخ من الإفلات من العقاب – وفقًا لمؤلف المقال. هذه الشركات تستفيد من تساهل السلطات بل ودعمها الفعلي، مما يدفع إلى الاشتباه (و إن تعذّر الإثبات المادّي) بفساد منهجي.

فيتو كلفاروزو (Vito Calvaruzo) *

1. استهلاك مائي غير قانوني وفاحش

في حين تعاني تونس إجهادًا مائيًا حرجًا بين جويلية/يوليو وأوت/أغسطس، تسحب صناعة التعليب المياه الجوفية بلا رادع. غالبية الآبار المستخدمة غير مرخّصة – بحسب مصادر داخلية بوزارة الفلاحة – لكنّها لا تُغلق، على عكس العقوبات الفورية المُطبَّقة على المزارعين.

يُزوّر الصناعيون إقرارات استهلاك المياه: يقدّمون أرقامًا أدنى بكثير من الواقع لتغطية حفر الآبار غير القانونية. هذه الممارسة تحرم “السوناد” من إيرادات كانت ستموّل صيانة الشبكات الوطنية المتقادمة.

يتذرّع الصناعيون بإعادة تدوير مياه الغسيل كدليل على التزامهم البيئي، لكنّ هذه المياه غير المطابقة للمواصفات تشكّل انتهاكًا صارخًا للمعايير الصحّية وتهدّد جودة المنتج النهائي (والحالات ليست نادرة).

مقارنةً بالمزارع، يستهلك المصنع لكل كيلوغرام طماطم – خلال نفس الفترة – كمية ماء مساوية أو أكبر.

الحجم السنوي المسحوب للغسيل فقط يُقدَّر بـ >5 إلى >7 ملايين م³، 50-60% منه قابلة للترشيد.

2. انبعاثات سامّة تُسمّم البيئة

مياه الصرف المحمّلة بالطّين والمواد الكيميائية والعضوية تُصرَف دون معالجة كافية في الأودية والمناطق الساحلية والأراضي الزراعية، رغم اشتراط القانون معالجتها وفق مواصفات دقيقة.

عمليًا، لا يلتزم أيّ مصنع بالمعايير. حتى الوحدات المجهّزة بتقنيات متطورة تُطلق مياهًا ملوّثة تُدمّر النظم البيئية الهشّة (مثل بحيرة قُرْبَة المتضرّرة أصلًا).

الأسباب: إقرارات استهلاك خاطئة، وتشخيص معيب يؤدّي لوسائل معالجة غير ملائمة.

جميع المصانع ترتكب سنويًا المخالفات التالية:

  • آبار غير مرخّصة
  • مياه مُعاد تدويرها غير مطابقة (تهديد صحي للمنتج النهائي)
  • انبعاثات غير مطابقة في الطبيعة.

قد تُضاف هنا مخالفات مثل أشغال بدون تراخيص.

لا تتجاوز الغرامة المفروضة على المخالفين 10,000 دينار لمخالفة الانبعاثات (بينما تُهمَل باقي المخالفات). هذه العقوبة هزيلة: فهي تمثّل أقل من 1 ملم/كغ من تكلفة الإنتاج للشركات الكبرى، وحتى للشركات الصغيرة لا تتجاوز 4 ملم/كغ.
أصبحت الغرامة “نظامًا”: المصانع لا تسدّدها وتنتظر التكليف بالمحاكمة – غالبًا بعد 10 سنوات – ثمّ تتفاوض مع الوكالة الوطنية لحماية المحيط (ANPE) على تسوية بإسقاط جزئي للغرامات والمتابعات… لتبدأ الدورة ذاتها من جديد!

oppo_0

3. مسؤوليات واضحة… ومُتجاهَلة

  • الصناعيون:
  • احتيال منظّم (آبار غير قانونية، تزوير بيانات الاستهلاك)
  • مخالفات متكرّرة (انبعاثات، مياه معاد تدويرها خطرة)
  • إستراتيجية قضائية: تسويات مع ANPE لإسقاط العقوبات
    السلطات:
  • ANPE: تكتفي بمراقبة سطحيّة (مرّة واحدة/موسم) وقد لا تُحرّر مخالفات رغم تكرار التجاوزات!
  • وزارتا البيئة والفلاحة: صمتٌ رغم صلاحياتهما القانونية
    تساؤلات مشروعة تُطرَح هنا.
  • وزارة الصناعة: تعطّل أي إجراء رادع تحت شعار “أولوية الاقتصاد”

4. “الستاغ” ضحية للإسراف

الاستهلاك المفرط للمياه يرفع الطلب على الكهرباء لضخّ المياه وتشغيل وحدات المعالجة. تشير التقديرات الأولية إلى هدر 2-4% من الاستهلاك الوطني للكهرباء كل صيف – ضغط لا تحتمله شبكة كهرباء هشّة أصلاً.

هذه ليست مجرّد كارثة بيئية، بل عَرَضٌ لنظام فاسد يتمتّع فيه كبار الصناعيين بإفلاتٍ من العقاب. السلطات تتجاهل المشكلة أو تلوم “التغيّر المناخي”.

صناعات أخرى (معلّبات الفواكه، البطاطا المقلية) تستفيد من الإفلات ذاته.

المخالفة المشتركة: عدم التصنيف الإلزامي!

oppo_0

الحلول القانونية قائمة:

  • إغلاق فوري للآبار غير القانونية + عدّادات إلزامية
  • عقوبات متناسبة مع حجم الأضرار البيئية والاقتصادية (كالسياحة)
  • مراقبة مفاجئة مكثّفة مع تعليق النشاط عند التكرار

بدون إرادة سياسية حقيقية، ستواصل هذه الصناعة نهب الموارد وتسميم البيئة… برعاية رسمية!

ذ خبير دولي في معالجة الانبعاثات الصناعية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.