في فضاء مسرح الهواء الطلق بسيدي الظاهر في سوسة، وخلال الدورة الـ66 لمهرجان سوسة الدولي، قدّم المخرج الطاهر عيسى بن العربي مسرحيته “رقصة سماء”، وهي عمل فني فريد ينسج خيوط الفلسفة الوجودية والصوفية مع تقنيات الميتامسرح. هذا العرض، الذي أنتج بالتعاون مع مركزي الفنون الدرامية والركحية بالكاف وزغوان، جذب أنظار الجمهور، وحقق حضورًا مميزًا في مهرجانات دولية مرموقة مثل أيام قرطاج المسرحية (الدورة 25، 2024)، مهرجان الحمامات الدولي (2024)، والمهرجان الدولي للمسرح بالدار البيضاء (ماي 2025).







هالة: البحث عن الحب المطلق
تدور أحداث المسرحية حول هالة، امرأة محاصرة بقيود العائلة والمجتمع، تؤمن بالتضحية من أجل زوجها، لكنها سرعان ما تكتشف أن الحب الحقيقي يتجاوز الحدود الاجتماعية. تسعى هالة لفهم “الحب المطلق”، متأرجحة بين البعد الإنساني والسماوي، في رحلة وجودية تطرح تساؤلات عميقة: “ما هو إيمان لك قد يكون تيهًا لغيرك.” تقع هالة في حب كاتب رواية مصاب بالسرطان، يقودها إلى عالم الشعر عبر السينما، في إشارة رمزية إلى تحول جلال الدين الرومي بعد لقائه شمس الدين التبريزي في القرن الثالث عشر. يمتزج الزمن الحاضر، بتحدياته من حروب وأوبئة، مع القرن الثالث عشر، ليعكس انهيار القيم والبحث عن ملاذ في الحب.
ميتامسرح مبتكر: مسرح داخل سينما
برع المخرج الطاهر عيسى بن العربي في استخدام تقنية الميتامسرح، حيث يُقدم العمل كفيلم قيد التصوير، مع تعليقات ساخرة من المخرجة (شيماء الزعزاع) وفريق التصوير. يتداخل النص بين ثلاث حكايات: حياة هالة، لقاء الرومي وشمس، وصناعة الفيلم نفسه. هذا التداخل يخلق تجربة بصرية وسمعية غنية، تنتقل فيها الشخصيات بسلاسة بين الدراما والكوميديا، وبين العامية والفصحى، مستلهمة جماليات رقصات الدراويش الصوفية.
سينوغرافيا وأداء استثنائيان
تتألق “رقصة سماء” بسينوغرافيا مبتكرة تحول الركح إلى رمز للعبور بين الأزمنة، مع إضاءة تتماشى مع إيقاع الأحداث. الممثلون، بقيادة منى نور الدين في دور “حلومة”، إلى جانب هاجر حمودة وخالد الزيدي، قدموا أداءً استثنائيًا، نجح في تجسيد تقلبات الحياة وحتمية الموت.
سياق ثقافي واجتماعي
في ظل التحديات الثقافية التي تواجهها تونس، تأتي “رقصة سماء” لتنتقد الواقع الاجتماعي والثقافي، مستخدمة الحب كمحفز للإبداع والتحرر. العمل لا يقتصر على تقديم قصة، بل يدعو الجمهور للتأمل في معاني الوجود والحرية في عالم مضطرب.
استقبال وتأثير
حظيت المسرحية منذ عرضها الاول بإشادة واسعة من الجمهور، الذي اعتبرها رحلة تأملية في ثلاثية الحب، المعرفة، والإيمان. نصها المفعم بالفلسفة والصوفية يجعل من “رقصة سماء” تجربة مسرحية فريدة، تدعو لإعادة التفكير في الحب والوجود، وتؤكد مكانة المسرح التونسي في الساحة الفنية العربية و حتى العالمية.
بشير حسني
شارك رأيك