رحل أنس الشريف الصحفي الفلسطيني البطل، بعد أن أقضّ مضاجع الصهاينة بصوته، وتصويره المشاهد المرعبة والمآسي التي يعانيها الشعب الفلسطيني برمته، وكان مستهدفا منذ أن أعلن أنه سيبقى على العهد ما دام حيا، ورفض أن يخرج من غزة الأبية إلا شهيدًا، وقد نال ما نال من الشهادة.
فوزي بن يونس بن حديد
بالأمس كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدافع عن سياساته ومنها حماية الصحفيين في ظل الحرب الشعواء التي تخوضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني والإبادة الجماعية التي تمارسها في حقّه، وكل يوم يمرّ تحصد فيه النازية اليهودية أرواحًا بشرية لا تفرّق فيه بين طفل حديث الولادة وآخر في سنّ الطفولة وآخر في سنّ المراهقة أو سنّ الشباب أو سنّ الكهولة أو سن الشيخوخة، ذكرا كان أو أنثى، في مسلسل القضاء على كل روح بشرية تتّسم بصفاتها الفلسطينية الصامدة المقاومة للاحتلال الصهيوني، وكان نتنياهو في مؤتمره الصحفي كالثّعلب الذي يخفي ما لا يظهر، فهو أشبه بحمامة سلام أمام الصحفيين يستعرض صور الطفل محمد زكريا الذي كان في حالة الجوع والحالة التي أصبح عليها بعد أن سمح له بالسفر إلى إيطاليا، لكن سرعان ما تتحوّل الحمامة بعدها إلى وحش كاسر يُظهر وجهه الخبيث الملطّخ بالدّم، والملوّث بممارسة القتل العمد والتدمير وغيرهما مما يفعله قُطّاع الطرق.
الصورة أبلغ من الكلام أحيانا
وبعد المؤتمر الصحفي الذي عقده أمام شعبه، أظهر حماقته وظهرت حقيقته بعد أن نالت يده المجرمة الصحفيين الأبرياء من مسيّرة صهيونية حامت حول خيمتهم بالقرب من مستشفى الشفاء، وحولت أجسامهم إلى جثث متناثرة هنا وهناك، في تحدٍّ صارخ للعالم الحرّ الذي بدأ يهتز للجرائم الصهيونية المتكرّرة والتي لا تهدأ ليلًا ولا نهارًا، ولأن هؤلاء الصحفيين ليسوا مقاومين بالسلاح أدركت إسرائيل أن الكلمة أيضا موجعة ومؤلمة ويمكن أن تقلب العالم كلّها ضدها، وأن الصورة أبلغ من الكلام أحيانا، فكان الصحفيون الفلسطينيون ينقلون الحدث من أرض المعركة، دون تحريف أو تهويل أو تبديل، ولكن الصهيونية العالمية ترى في ذلك استفزازًا لها وتصويرًا غير لائق لجرائمها، فترتكب الجريمة وأكبر منها وتستهدف الصحفيين مباشرة دون تحذير أو لوم أو عتاب، وبعدها أدركت أن العالم برُمته لن يسكت على ما اقترفته يداها ولن يهدأ حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة كاملة ودون استنقاص.
إن استشهاد عدد من الصحفيين الفلسطينيين ومن بينهم الصحفي البطل أنس الشريف أحدث دويًّا هائلًا في الصحافة العالمية وحرّك أجواء من الاحتجاج المباشر على إسرائيل رغم أنها لا تبالي بما يحدث حولها وفي العالم من إدانات وانتقادات حادة، ومحاولات لكسر الحصار على غزة، وتتصرف كما لو أن العالم كله غير موجود، وكأن العالم كله أمامها ضعيف ما دامت أمريكا القوة العظمى في العالم تساندها بصفة مطلقة ودون تقييد لأفعالها المجرمة وتتكئ عليها لتبرأتها من كل جريمة وتسعى إلى تقويض القانون الدولي الذي أصبح في خبر كان كما يقال بعد ما فعلته الصهيونية في حق شعب أعزل بريء لم تستطع كسر إرادته ولا إرادة المقاومة الشريفة، بل إنها تطلب منها نزع سلاحها ورفع الراية البيضاء وتعلن هزيمتها أمام الجيش الصهيوني حتى يرضى عنها نتنياهو بن غفير وسموتريتش.
إسرائيل عاثت في الأرض فسادا
رحل أنس الشريف الصحفي الفلسطيني البطل، بعد أن أقضّ مضاجع الصهاينة بصوته، وتصويره المشاهد المرعبة والمآسي التي يعانيها الشعب الفلسطيني برمته، وكان مستهدفا منذ أن أعلن أنه سيبقى على العهد ما دام حيا، ورفض أن يخرج من غزة الأبية إلا شهيدًا، وقد نال ما نال من الشهادة، ونال عدوّه من الإجرام ما نال، فازداد حقن العالم عليه وعلى أفعال الصهاينة المجرمين الذين عاثوا في الأرض فسادا بغير حق، ولم يكتفوا بما فعلوا من محاولة إسكات الصوت وطمس الصورة إلى قتل صاحب الصوت والصورة، ولكن مهما فعلوا سيبقى صوته يرنّ في آذان أحرار العالم الذين سيخرجون بالملايين في الشوارع مطالبين بالقصاص، وسينال نتنياهو ومن معه في حكومته من المتطرفين وغيرهم عقابهم الأليم عاجلا أم آجلا.
رحل أنس الشريف ورفاقه أعزّاء كُرماء شُهداء، لم يطأطؤوا رؤوسهم للاحتلال، ولم يخشوا القنابل والرصاص، رحلوا بصمت أمام عالم عربي وإسلامي خذل كل الشعب الفلسطيني، ولم يقدم له شيئا إلى الآن، بل لم تتحرك منه شعرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ورغم نية الاحتلال الصهيوني مواصلة جرائمه البشعة باحتلال مدينة غزة وغيرها في المرحلة المقبلة، يبقى العالم الإسلام والعربي باهتًا جامدًا لا يتحرك وكأنه صنمٌ لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، حتى تصيبه الصدمة الكبرى عندما يجد المحتل الصهيوني أمام بابه يطرده من بيته في ذلة ومسكنة.
شارك رأيك