هل ستشهد تونس في الأيام القادمة صداما بين مؤسسة الرئاسة والاتحاد العام التونسي للشغل؟ وهل الاتحاد منظمة فاسدة حقًّا يستوجب التحقيق معها وفتح جميع ملفاتها؟ أم سنشهد توافقًا وتفاوضًا بينهما يؤدي إلى اتفاق يسمح لكل طرف بحفظ ماء الوجه و الحفاظ على حد ىأدنى من السلم الاجتماعية الضرورية لإنعاش الاقتصاد الراكد منذ سنوات ؟
فوزي بن يونس بن حديد
بعد مدة طويلة نسبيّا من الصمت، بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل يتحرك للدفاع عن نفسه وتبرئتها من تهم بالفساد وجّهها له الرئيس التونسي قيس سعيّد تلبيةً لمطالب توجّه بها أنصاره إليه للبحث في قضايا فساد تورّط فيها الاتحاد، وقد اتكأ هؤلاء على ما عُرف به أعضاء الاتحاد من ثراء على المستوى الشخصي مما أثار شكوك البعض بأن هذه المنظمة تتبع سياسة الفساد المالي.
ورغم أن الاتحاد لم يعارض الرئيس قيس سعيّد علانية منذ 25 جويلية 2021، ولم تكن له مظاهرات نقابية واضحة طوال السنوات الماضية إلا أن حديث رئيس الجمهورية الأخير عن الاتحاد العام التونسي للشغل أثار موجة من الانتقادات والاحتجاجات كان أكثرها اشتعالا من أمينه العام السيد نور الدين الطبوبي الذي يشغل المنصب منذ 2017، عندما حشد أنصاره للاستعداد للاحتجاج غدًا الخميس على ما سمّاه مطالبة للمحاسبة.
مناكفات بين مدّ وجزر
ومن المعلوم أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان ولا يزال الذراع الأساسية للدفاع عن العمّال في تونس، ويمثل أكبر قوة نقابية تدافع عن هذه الشريحة، ولها وزن وثقل كبيرين في التأثير على الشارع التونسي من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي تقيمها بين فترة وأخرى، وقد عرف عنه هدوؤه وصمته النسبيين في فترة حكم زين العابدين بن علي من سنة 1987 إلى 2011م ولم تكن هناك مصادمات ولا مناكفات بين المنظمة العُمّالية والحكومة التونسية، ولكن منذ 2011 تحرك الاتحاد بقوة وتدخل في السياسة التونسية عبر معارضته حكم حركة النهضة وقيامه بعدة احتجاجات أثرت على الاقتصاد التونسي بشكل مباشر، وصار بعدها الاتحاد واحدا من أركان السياسة آنذاك رغم أن أداءه كان ينحصر في المجال العمالي والدفاع عن هذه الشريحة، واستمرت هذه المناكفة بين الاتحاد والحكومات المتعاقبة خاصة تلك التي تترأسها حركة النهضة أو التي ترشّح فيها النهضة رئيسًا للحكومة من جانبها أو توافق عليه حتى لو كان مرشحا من جهة أو حزب آخر، وبقيت هذه المناكفات بين مدّ وجزر حتى الـ 25 من يوليو/جويلية 2021 حينما بدأ الشعب التونسي ينتفض على الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتدهورة إلى حدّ بعيد.
ومع حلول هذا التاريخ تنفّس الاتحاد الصعداء بعد أن انزاحت حركة النهضة من الحكم، وتولى السّيد قيس سعيّد السُّلطة التنفيذية والتشريعية وحلَّ البرمان والحكومة معًا في خطوة غير مسبوقة أصابت حركة النهضة وكل المعارضين لرئيس الدولة بالدّهشة واتهموه بالانقلاب على الدستور، ولكن لم تستطع المعارضة مواجهته رغم كل ما قامت به من تهييج الشارع التونسي ومحاولة تأليب الرأي العام العالمي وغيرها من المحاولات إلا أن ذلك كله باء بالفشل، بل جاء بنتيجة عكسية أن تغيرت الأوضاع الداخلية في اتجاه آخر لما كانت تخطط له حركة النهضة، وتولى السّيد قيس سعيّد مهمة الإشراف على الحياة السياسية منذ ذلك التاريخ إلى اليوم مع تعديل في تشكيل البرلمان التونسي الجديد واستحداث المجالس الجهوية والبلدية وغير ذلك من التغيير السياسي.
ظروفٍ غاية في الصعوبة والتدهور
وفي كل هذه الأحوال، كان الاتحاد يراقب الأوضاع من بعيد ولم يتدخل ظاهرا في الحياة السياسية ولم يصطدم برئيس الجمهورية بل كانت هناك لقاءات بين أمينه العام والسّيد قيس سعيّد للتفاهم حول المشكلات التي تمر بها البلاد، وبعد أن استقرت الأمور السياسية نسبيّا وتحوّل النظام من برلماني إلى رئاسي بعد مطالبة شعبية اتكأ عليها رئيس الجمهورية، بدأت المطالبة بالتحقيق في ملفات فساد شابت وحامت حول المنظمة العمالية الأكبر في تونس، وقد سبق الحديث عن هذه المطالبات من قبل الشعب التونسي في كل مرة لا سيما في عهد الترويكا.
وبما أن الرئيس التونسي قد أخذ على عاتقه محاربة الفساد منذ توليه رئاسة الجمهورية فإنه قد استجاب لأنصاره الذين دعوه لفتح هذا الملف الشائك والمعقّد في ظل ظروفٍ غاية في الصعوبة والتدهور من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وفي المقابل استنفد الاتحاد جميع قواه للاحتجاج على ما سمّاه انتهاكا صارخا في حقه، فهل سنشهد في الأيام القادمة صداما بين مؤسسة الرئاسة والاتحاد العام التونسي للشغل؟ وهل الاتحاد منظمة فاسدة حقًّا يستوجب التحقيق معه وفتح جميع ملفاته؟ وهل يعطّل الاتحاد العام التونسي للشغل ماكينة العمل في تونس ويؤخر النمو الاقتصادي عن سبق إصرار وترصد؟ أم سنشهد توافقًا وتفاوضًا بينهما يؤدي إلى اتفاق يسمح لكل طرف باحترام الآخر؟
شارك رأيك