في يونيو/ جوان 2025، أصدرت الباحثة والمؤرخة التونسية سماح المطوي كتابها «أحبار اليهود في البلاد التونسية زمن الاستعمار الفرنسي1881-1956» عن منشورات سانتيانا ضمن سلسلة «تونس التعددية» التي يشرف عليها الأستاذ حبيب قزدغلي. الكتاب يوثق انتقال الأحبار من فضائهم الخاص إلى دائرة الضوء العام، ويكشف كيف أصبحوا عناصر فاعلة في التاريخ العام وحياة الطائفة اليهودية خلال فترة الحماية الفرنسية.
جمال قتالة
ظل كبار الأحبار والأحبار المحليون قرون طويلة منكفئين على أدوارهم الدينية والروحية، بعيدين عن التعبير العلني عن أوضاع الطائفة الدينية والاجتماعية. لكن مع بداية الحماية الفرنسية سنة 1881، شهدت تونس تحولات كبيرة: فرضت السلطة الاستعمارية إصلاحات وتشريعات جديدة نظمت الممارسات الدينية لكل الأديان، ووضعت تراتبية اجتماعية جديدة بين المجموعات السكانية، ما جعل الأحبار محور اهتمام السلطة الجديدة ومرجعًا أساسيًا في ضبط المجتمع المحلي.
الأرشيف والذاكرة في خدمة التاريخ
اعتمدت سماح المطوي، أصيلة مدينة قابس والحاصلة على الدكتوراه في التاريخ المعاصر، على مزيج من الأرشيف الرسمي والذاكرة الشفوية والشهادات الميدانية. وثّقت سير الأحبار ومواقفهم وتصريحاتهم في الصحف والمراسلات، موضحة كيف أصبحوا فاعلين في التاريخ العام. هذه المراسلات، التي صدرت بعد إعلان الإصلاحات الاستعمارية، تكشف عن قدرة الأحبار على التفاعل مع السلطة والمجتمع، مع الحفاظ على هويتهم الدينية والاجتماعية.
الكتاب لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يقدم قراءة تحليلية شاملة لموقع الأحبار داخل الطائفة اليهودية وعلاقاتهم مع باقي مكونات المجتمع التونسي. تؤكد المطوي أن الهدف الأساسي هو حفظ الذاكرة الجماعية لتونس في تعدديتها، وإعادة إدراج مساهمة الطائفة اليهودية في الوعي الوطني. رغم مغادرتهم شبه الكاملة للبلاد، ترك اليهود بصمات واضحة في الثقافة والعمارة والحياة الاجتماعية، مؤكدين أن التنوع التاريخي يصنع غنى الهوية الوطنية.
سلسلة “تونس التعددية“
يندرج الكتاب ضمن مشروع أوسع لسلسلة «تونس التعددية»، التي تهدف إلى تجاوز النظرة الأحادية للتاريخ الوطني، والانفتاح على جميع مكونات المجتمع التونسي، عربية وأمازيغية ويهودية ومتوسطية، عبر تشجيع البحث العلمي وحفظ التراث المادي واللامادي.
«أحبار اليهود في البلاد التونسية زمن الاستعمار الفرنسي» ليس مجرد دراسة أكاديمية، بل جسر بين الأرشيف والذاكرة، وبين الماضي والحاضر، ويذكّرنا بأن تنوع التجارب والفاعلين هو ما يصنع غنى الهوية التونسية ويجعل التاريخ مرآة لفهم حاضرنا.
شارك رأيك