ربما لم يصل الاتحاد العام التونسي للشغل في تاريخه قبل و بعد الاستقلال إلى ما وصل إليه أو يعيشه أو يعانيه حاليا من انكسار على كل المستويات و ربما هناك من تنبأ له بمثل هذا المصير بل هناك من حذر الأمين العام للاتحاد السيد نورالدين الطبوبي بأن سياسة التقلب و المزاجية و فقدان البوصلة ستؤدى بهذا الصرح العظيم إلى عواقب خطيرة خاصة أن تذمر القواعد قد بات ملحوظا و أصوات المعارضة قد بات لافتا للانتباه.
أحمد الحباسي *

رغم ذلك أصرّ السيد نورالدين الطبوبي على نفس الخطاب المتكلس الذي يحاول بواسطته تلافى أزمة وصلت حدّ المطالبة العلنية بتنحيته و تقديمه للمحاكمة و المحاسبة بتهمة الفساد و هو أمر لم يصل إليه الاتحاد حتى في عزّ أزمة الخبز الشهيرة سنة 1984.
هذا الإصرار يؤكد للمتابعين أن الرجل قد فقد السيطرة تماما على قواعده و بات حبيس مكاتب الاتحاد الذي يعرف حركية مرتبكة و تحركات مشبوهة ربما هي من كانت سببا مباشرا من اعتداء البعض على مقر الاتحاد في تصرف همجي هجين يراد منه توجيه ضربة مباشرة إلى قيادته.
مؤشرات صريحة كانت تنبأ بقرب اشتعال الأزمة
على عكس ما كان متوقعا لم تأت الثورة إلا بالويل و الثبور وعظائم الأمور للاتحاد العام التونسي للشغل لأن حركة النهضة بالذات التي تولت السيطرة على مقاليد البلاد و الحكم لم تكن تنظر لهذا الهيكل غير المتجانس الذي يشكو من شبهات فساد و سوء إدارة و ضيق مساحة المناورة إلا نظرة دونية متوقعة و لعل ما حصل أمام مقر الاتحاد من تعمد بعض المنتسبين للحركة يوم 4 ديسمبر 2012 رمي الفضلات فى ساحة محمد علي و الاعتداء بالعنف على كل من كان متواجدا ساعتها بالمقر دليل على سوء العلاقة و وجود نار تحت الرماد.
كذلك لم يأت نجاح الرئيس الباجي قائد السبسي فى الوصول إلى سدة الحكم بما كان ينتظره الشعب من محاسبة قيادة الاتحاد و فتح ملفات الفساد و سوء التصرف الأمر الذي تواصل مع الرئيس قيس سعيد في فترتي رئاسته الأولى و الثانية و الحال أن هناك مؤشرات صريحة كانت تنبأ بقرب اشتعال الأزمة داخل أروقة الاتحاد و ضعف مكانة الأمين العام و بعض رفاقه الذين فعلوا كل شيء ليصبح الاتحاد العام التونسي للشغل مجرد بوق مسدود لا يؤدى دوره في معالجة مشاكل الشغالين في زمن ثورة عمياء ضاعفت معدل البطالة إلى أضعاف الأضعاف.
منذ مدة طويلة كانت هناك أزمة مشتعلة داخل الاتحاد و هناك أحاديث متواترة و خطيرة عن صراعات و اختلاف في وجهات النظر بين قيادات الاتحاد بل أنه و للمرة الأولى يصبح وجود الأمين العام نورالدين الطبوبي محل نزاع و جدل و مطالبة بتنحيته و لكن الرجل برفضه التنحي رغم عديد المساعي في هذا الاتجاه يثبت أن وراء الأكمة ما وراءها و أن هناك فئة معينة ترفض مغادرته حتى لا تنكشف عدة أمور و فضائح وصفها البعض بالمشينة و المرعبة تهم بعض القيادات التي تعيش حالة من الترف المبالغ فيه دون محاسبة.
لقد سعى البعض داخل الاتحاد إلى لملمة المسائل و تغطية المستور آخرها محاولة الأمين العام السابق حسين العباسي لكن تشبث السيد نورالدين الطبوبي بمواقفه المرتبكة قد أججت نار الخلاف و جعلت الشغالين يتساءلون باستغراب شديد لماذا لا ينسحب الرجل و يقبل المحاسبة و لماذا يتشبث بالكرسي و هو في صراع مع الرئيس قيس سعيد الذي يرى في وجوده مشكلة كبرى يجب التخلص منها في نطاق حربه المزعومة على الفساد.
الحد الأدنى للعمل المشترك لم يعد متوفرا
من الظاهر أن هناك محاولات مستترة تسعى إلى إضعاف موقف الأمين العام وصولا إلى التخلص منه بعزله تدريجيا عن محيطه و جعله مجرد شاهد على انهيار صورته و هناك إقرار باستحالة العمل الجماعي داخل المكتب التنفيذي بل أن هناك من يتحدث بأن شرط الحد الأدنى للعمل المشترك داخل المنظمة الشغلية لم يعد متوفرا بل هناك تسريبات تتحدث عن حالات خصام و توتر لا تخلو منها اجتماعات و مقابلات القيادةذ.
لم يعد سرا أن التهديد الذي يواجهه الاتحاد قد تطور إلى تهديد وجودي في ظل حكم الرئيس قيس سعيد الذي يقول عنه البعض أنه لا ينظر بعين الرضا إلى هذا الجسم الذي طالما شكل شوكة في حلق كل الحكام الذين تداولوا على تونس منذ الاستقلال و ليس سرا أن تعرض الاتحاد إلى هجوم لاذع و متكرر من أحد المحللين بقناة التاسعة المدعو رياض جراد ليس اعتباطيا بل هو تعبير على غضب السلطة من استمرار الأمين العام في منصبه رافضا حلحلة المشكلة مبديا تنطعا واضحا رافضا أن يكون الحل بدل أن يكون المشكلة.
لقد تعالت عديد الأصوات من داخل الاتحاد و خارجه دائما منادية صراحة بفتح ملف التصرف في أموال الاتحاد و محاسبة بعض القيادات النقابية التي أضرت تصرفاتها بالمناخ العام في البلاد و زاد من ارتفاع منسوب الغضب ضد الاتحاد و قد كانت تصرفات نقابة الصحة و نقابة التعليم مثار غضب الشارع الذي لم يتحرج بوصف تلك التصرفات بالبلطجة دون أن يحرك الأمين العام للاتحاد ساكنا في شبه مباركة لتلك التصرفات غير المسؤولة المنافية للعرف النقابي.
عزلة السيد نورالدين الطبوبي
اليوم باتت عزلة السيد نورالدين الطبوبي واضحة و باتت الأصوات المنادية بمحاسبته تتردد علنا و لعل الأيام القادمة ستحمل ردا شافيا على عديد الأسئلة حين تتم الإطاحة بعدة قيادات بات بذخها و استهتارها مدار حديث الشارع.
إن التشبث بالمنصب و “الأنا” الزائفة و التغطية على عديد المشاكل و رفض المحاسبة و التعالي على الشغالين هي التي دمرت المخزون الأخلاقي و النضالي للاتحاد بحيث بات كل من هبّ و دب يتجرأ على مهاجمة مقره أو رمى الأوساخ داخله بمباركة و صمت مشبوه للسلطة.
ذ كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك