الشيفرة الصهيونية الجديدة التي لم يفهمها العرب : إسرائيل كبرى أو لا تكون !

يبدو أن العرب لم يفهموا بعدُ الشيفرة الصهيونية الجديدة، وبقوا يتحدثون بلغة كلاسيكية قديمة بالية، لا تُحدث فارقًا في عالم القوة، والعجيب أن الشيفرة الصهيونية قد تقدمت خطوات سريعة إلى الأمام وبقي العرب متأخرين خطوات إلى الوراء و لهم – كما نعلم – في التخلف صولات و جولات.

فوزي بن يونس بن حديد

لم يتقدم العرب في الدفاع عن “قضيتهم الأولى” إما لأنهم يخافون أو لأنهم لا يبالون، يردّدون الكلمات نفسها منذ سبعين سنة خلت أو أقل، ويطالبون بخطة مضى عليها أكثر من عشرين سنة عندما طُرحت في بيروت وماتت وهي لا تزال في مهدها، يتمسك بها العرب في كل مجزرة يقوم بها الكيان الصهيوني، وبقي العرب يرددون كلمات بائسة ويائسة لم تعد تصلح لهذا الزمن مثل “نندد، ونطالب، وندعو، ونشجب بأشد العبارات” وفي المقابل نرى إسرائيل ترمي بمبادرتهم المزعومة في سلة المهملات وتئدها ولا تبالي بذلك وكأنها لم تظهر البتة.

ففي كل مجزرة وجريمة يقوم بها الكيان الصهيوني، ما زال العرب تنتابهم فكرة السلام مع إسرائيل، وتراودهم حكايات “المبادرة العربية” التي يعلقون عليها الآمال وهم في الحقيقة يعيشون الأوهام، ورغم أن الكيان الصهيوني قد حسم أمره في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والسعودية والكويت ومصر بأن جعلها جزءا من إسرائيل الكبرى التي يحلم بها نتنياهو ويعمل من أجل تحقيقها، ما زال العرب لم تُفِقْهم الصدمة التي أحدثها رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو صراحة وبكل جُرأة ووقاحة، ويعمل على تنفيذها بن غفير وسموتريتش على أرض الواقع، فبينما يحلم بن غفير بهيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى يعمل سموتريتش على قضم الضفة الغربية وتحويلها إلى يهودا وسمرّاء.

مرحلة السلام مع إسرائيل انتهت نهائيا

ولا أدري أي صدمة ستأتيهم حتى يستفيق العرب من سُباتهم، وهم يعلمون أن مرحلة السلام مع إسرائيل انتهت، وأن المرحلة الحالية هي مرحلة القوة، ولا شيء غير القوة، فلبنان الحكومة التي تستجدي حزب الله بأن يترك سلاحه لا تدري ماذا يخبّئ لها الذئب الصهيوني، وسوريا التي كشّر فيها الثعلب الماكر أنيابه ويقضم منها كل مرة جزءا لا تدري أن الكيان الصهيوني يتربص بها، ومصر التي يغازلها نتنياهو ستعلم يوما أنها واقعة بين فكّي أسد مزيف.

 وفي كل مرة يستهزئ الصهيوني بما يطرحه العرب من مبادرات، ومطالبات ومناشدات، يزداد قوة وصلابة وشراسة في ظل الوهن والضعف الشديد الذي ظهر عليه العرب في كل مرة، والشعوب التي تعبت وسئمت من شيء اسمه السلام مع إسرائيل أو المفاوضات معها، تعرف أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة، فلا أي مبادرة تُغريها، ولا أي سلام يوقفها، ويبقى السلاح والقتال هو الحل الأنسب معها، فرجال غزة أذاقوها العذاب الأليم، وأوجعوها في عُقر دارها، فلا تسليم لسلاح المقاومة، ولا ثقة بالمحتل الصهيوني الذي يتلوّن كالحرباء، ويعامل الجنس العربي بأنه جنس لا يستحق الحياة.

فلقد تبين ومن خلال الواقع الميداني كيف يمارس الاحتلال الصهيوني والمبعوث الأمريكي توم براك وقاحتهما، عندما يبقي الاحتلال الصهيوني على قوّاته داخل لبنان ويمارس القتل والتنكيل بالشعب اللبناني على مرأى ومسمع من حكومة نواف سلام، وفي الوقت نفسه يطالب المبعوث الأمريكي توم براك الحكومة اللبنانية بل ويهددها إن لم تفلح في نزع سلاح حزب الله، وجعل هذه النقطة مرحلة مفصلية في العلاقات اللبنانية الأمريكية، وهو تهديد تعوّدنا عليه من واشنطن للدول العربية التي تعيش على فُتات المساعدات الأمريكية.

إسرائيل تفرض التوقيع على الاستسلام أو ترك المكان

وبالفعل سارع السياسيون اللبنانيون وعلى رأسهم رئيس الدولة ورئيس الحكومة إلى تنفيذ ما طلبه الأمريكيون ليدخل الجميع في حلقة من الحرب النفسية وربما الأهلية في المستقبل بسبب هذه النقطة التي أصر عليها برّاك، ولو كنا في زمن الحريري ولحود لن يحصل ما حصل اليوم في لبنان، ولن يطلب الاثنان من حزب الله نزع سلاحه، فنزع السلاح عند الأحرار يعني نزع الروح.

أما سوريا التي فرح كثيرون بالتغيير الذي حصل فيها إبان سيطرة المعارضة على الحكم، هاهي اليوم تعاني من استفزازات الكيان الصهيوني، وأجبرتها أمريكا على التوقيع على الاستسلام أو ترك المكان، فاختار الشرع الاستسلام وعقد صفقة الأذلّاء مع كيان الاحتلال وبالتالي خرجت سوريا من محور المقاومة إلى محور المهادنة مع إسرائيل في ذل وهوان، وسقطت ورقة سوريا كما ستسقط ورقة لبنان إن رضي بنزع سلاح حزب الله.

وماذا بقي للعرب أن يتمسكوا به؟ لم يبق إلا أن يستسلموا جميعا ويضعون رقابهم طواعية على مقصلة الجلاد ليفعل به ما يشاء، إما أن يستسلم ويعفو عنه ويعيش الذلة بأكبر معانيها، وهذا ما يسعى إليه ترامب ونتنياهو اليوم من خلال ما يسمى مشروع إبراهام، وإما يبقى متشبثا بموقفه فيموت عزيزا، وهذا بعيد المنال ولا نراه اليوم إلا في غزة العزة وأبطال المقاومة الأشداء.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.