مقتل التونسي عبد القادر الذيبي يوم امس الثلاثاء بمرسيليا بفرنسا أسال كثيرا من الحبر. فالإعلام الفرنسي الذي اتكأ على تصريحات امنية و قضائية كان له صدى كبير لترويج ما ارادته السلطة الفرنسية ترويجه… اليوم استفاق الشعب التونسي بعد التحري و لم المعلومات لبعضها على واقع آخر مختلف تماما عن الرواية الأولى و طالب من السلطة التونسية بمتابعة الحادث و عدم الانجرار فقط وراء ما تم التصريح به من الجانب الفرنسي.
الاعلامي فاهم بوكدوس يكتب ما يلي حول مقتل تونسي رميا برصاص الشرطة الفرنسية،:
“ليس حادثًا معزولًا بل جريمة دولة مغلّفة بالشرعية
في مشهد دموي جديد ينضاف إلى سجلٍ طويل من التجاوزات الأمنية ضد المهاجرين، قُتل المواطن التونسي عبد القادر رمياً بالرصاص في مرسيليا، في واقعة تعيد إلى الواجهة الأسئلة القانونية والإنسانية حول شرعية استخدام القوة القاتلة، وتُعرّي المنظومة الأمنية الفرنسية من ادعاءاتها حول احترام القانون والكرامة الإنسانية.
ان المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنصّ على حماية الحق في الحياة، ولا تجيز استخدام القوة القاتلة إلا كخيار أخير إذا كان ضروريًا ومتناسبًا مع التهديد. في حالة عبد القادر، لم نكن أمام شخص يحمل سلاحًا ناريًا، بل أمام رجل يحمل سكينا مطوّق من قبل عناصر مدرّبة ومجهّزة تجهيزًا تامًا بوسائل غير قاتلة. لماذا إذًا اللجوء للقتل بدلًا من التحييد السلمي؟ لماذا لم يتم القبض عليه سليما؟لماذا لم يتم إطلاق النار على الأطراف السفلى مثلا ؟
غياب الإجابة عن هذه الأسئلة يُحوّل العملية من “رد فعل أمني مشروع” إلى إعدام ميداني خارج القانون.
قد يُحاول البعض تبرير ما حدث بـ”الخطورة اللحظية”، لكن القانون يحمّل الدولة مسؤولية أكبر، لا أصغر، في ضبط النفس. فلو أن عبد القادر كان مواطنًا فرنسيًا أبيض البشرة، أو حتى مجرمًا معروفًا، لرأينا مفاوضاو طائرات مسيّرة ووساطات قبل إطلاق رصاصة واحدة،أما حين يكون المشتبه به تونسيًا، مهاجرًا، فالرصاصة أرخص من الكرامة، وأسرع من استدعاء النيابة.
ان ما حدث لا يمكن فصله عن الذهنية المؤسسية التي تمنح الأجهزة الأمنية “رخصة بالقتل” حين يتعلق الأمر بأجساد المهاجرين، خاصة أولئك المنحدرين من مستعمرات فرنسا السابقة.
ان التمييز المؤسسي ليس مجرد شعور، بل سياسة. فحين يُقتل شاب تونسي في فرنسا، يُسارع الإعلام إلى التركيز على “سوابقه القضائية” أو “عدم استقراره النفسي” كمبرر ضمني لما حصل. لا أحد يسأل: أين كانت الدولة عندما كان يعاني؟ ما ظروف الطرد من الفندق؟ أين المساعدة الاجتماعية؟ كل ذلك يُطمس لصالح رواية واحدة: الشرطة “اضطرت” لقتله.
ما حصل مع عبد القادر ليس فقط إهانة له كمواطن تونسي، بل إهانة جماعية لكرامة التونسيين جميعًا. فالدولة التي لا تحمي أبناءها في الداخل، ولا تضع لهم وزنًا في الخارج، تتركهم عرضة للقتل، دون صخب رسمي أو موقف دبلوماسي حازم. السكوت التونسي الرسمي – إن حصل – ليس فقط ضعفًا، بل تواطؤ بالصمت.
كيف ننتظر من العالم أن يحترم دماء التونسي، إذا كانت الدولة التونسية نفسها تُفرّط في دماء شبابها على قوارب الموت، وفي السجون، وفي الإهمال القاتل داخل الحدود.عبد القادر ليس فقط ضحية شرطة فرنسية، بل ضحية نظام تونسي فقد القدرة على الدفاع عن كرامة أبنائه أينما وُجدوا،ومن يهان في وطنه يهان خارجه اكثر.
ما حصل في مرسيليا جريمة. وليس جريمة فردية، بل ممنهجة. عبد القادر ليس استثناءً، بل وجه آخر لجيلٍ من المهاجرين، تُلاحقه الشرطة بالرصاص، والدولة بالصمت، والمجتمع بالخوف. ما لم نُسمّ الأشياء بأسمائها، ونحاسب المسؤولين عنها، فإن الرصاصة التالية لن تكون الأخيرة”.
شارك رأيك