في التدوينة التالية يعلق الكاتب على مشروع القانون الذي قدمه نائبان في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ما عنوناه “استعادة الديمقراطية في تونس” على اعتبار أن الديمقراطية كانت قائمة في بلادنا و وقع التخلي عنها منذ استفراد الرئيس قيس سعيد بالسلطة في البلاد يوم 25 جويلية 2021. الإشكال أن مثل هذا التدخل الأجنبي السافر في الشؤون الداخلية للبلاد قد يؤدي إلى عكس ما يصبو إليه التونسيات و التونسيات.
هشام السنوسي *

تُظهر التجارب الحديثة أنّ الولايات المتحدة لا تنطلق في سياساتها الخارجية من مبدأ تكريس الديمقراطية بقدر ما تنطلق من حسابات المصلحة، الديمقراطية في ممارساتها السياسية هي الحق الذي يراد به الباطل. غزة مثال واضح، من يضحي بالإنسانية لا يعول عليه في الديمقراطية .
الأمر نفسه تكرر في سوريا، حيث تحوّل ،بما يشبه السحر، إرهابيون إلى ديمقراطيين، حتى أن الرئيس دونالد ترامب استقبل الجولاني سليل داعش بعد رفع إسمه من قوائم الإنتربول، تبا لضحاياه إلى الجحيم
الخطاب الأمريكي المعلن يقوم على نشر الديمقراطية، غير أنّ الوقائع الميدانية تشير إلى نتائج عكسية: بلدان مفككة ومجتمعات مستباحة . أفغانستان مثال بارز، حيث أنفقت الولايات المتحدة أكثر من تريليوني دولار خلال عقدين من الحرب، لينتهي المشهد بسيطرة الإرهاب “طالبان” وعودة تجارة الأفيون.
غير أنّ النقد الموجّه إلى السياسة الأمريكية لا يُعفي الأنظمة المحلية من المسؤولية. فالتفرد بالسلطة، وإنكار التعددية، وممارسة العنف ضد الخصوم، كلها عوامل فتحت الأبواب مشرعة أمام التدخلات الأجنبية. تجربة صدام حسين خير دليل؛ إذ أدى قمعه الداخلي وحروبه الإقليمية إلى تبرير الغزو الأمريكي سنة 2003 . وكذلك فعل القذافي حين تمسك بالحكم الفردي، فكانت النتيجة انهيار الدولة بعد تدخل الناتو سنة 2011 . ديمقراطية بلا أحزاب أو مؤسسات لتحل محلها الطائفية والعشائرية والمليشيات في أحسن الحالات.
الحاكم الذي يتوهم امتلاك “المفاتيح الحصرية” لمصلحة البلاد يصبح في النهاية عرضة للتوظيف من قِبل قوى أكبر منه، فيما يُختزل الوطن في نزاع شخصي على البقاء في السلطة. ولا تختلف خطورة هذا المسار عن خطورة ارتهان من ليس في الحكم للخارج تحت غطاء “استعادة الديمقراطية”، إذ كلاهما يُفضي إلى تقويض السيادة الوطنية.

ظروفنا الاجتماعية تزداد صعوبة، وحياتنا السياسية شبه معدومة، واقتصادنا في تراجع ملموس، وهو ما يجعل الحاجة ملحّة إلى رؤية بديلة وخطاب جديد يستند إلى المسؤولية الوطنية. رؤية تنطلق من إطلاق سراح المساجين السياسيين، وإعادة صياغة العلاقة مع الاتحاد العام التونسي للشغل على قاعدة الشراكة لا الصراع، ورفع اليد عن الإعلام وبصفة خاصة الإعلام العمومي باعتباره ملكًا عامًا لا أداة دعاية، مع إحياء الحوار الوطني و السماح للأحزاب والمجتمع المدني بحرية النشاط و تفعيل المحكمة الدستورية وبقية المؤسسات المجمدة. تلك هي بوابات الديمقراطية الحقيقية التي لا تأتي عبر الخارج، بل تنبثق من الداخل.
رعونة الأنظمة هي التي أدت الى استباحة الأوطان
صحفي.
شارك رأيك