الأستاذ صلاح البرقاوي يكتب: في انتخاب الاستاذ بالثابت عميدا…؟

لقي انتخاب الأستاذ بوبكر بالثابت أمس عميدا جديدا للمحامين ترحيبا واسعا من طيف واسع داخل المحاماة وخارجها، رافقته “أووف” الارتياح، كأنه كان على صدر الناس همٌّ ثقيل انزاح بإعلانه النتائج. ولعل ما أضفى على فوزه بالعمادة بعدا رمزيا قويا هو حصوله منذ الدور الأول وبفارق كبير عن أبرز منافسيه. فكيف أمكن له تحقيق هذا النصر الانتخابي الباهر وما سر هذا الاحتفاء الكبير الذي قوبل به؟

يجب الاعتراف أولا بأن لشخصية الرجل وتجربته ومواقفه السابقة من عديد المسائل دورا مهما في إقبال المحامين بكثافة على منحه أصواتهم. فهو شخص هادئ يحسن الإنصات، صاحب تجارب متعددة في هياكل المهنة، ملم بأحوال المحاماة ومشاكلها سواء في يتعلق بظروف عمل المحامين أو بالأوضاع المضطربة لصندوقهم الاجتماعي، كما أنه لم يتخلف عن المحاكمات التي طالت عديد المحامين بالخصوص.

غير أن هذه الخصال لم تكن كافية لتضمن له ثقة المحامين عند ترشحه للعمادة في السابق. فما الذي تغير؟
ما تغير هو القليل في العميد الجديد والكثير في البلاد والمحاماة…

فقد صار العميد أكثر نضجا وصارت لترشحه قضية أو قضايا (وهو ما يصر صديقي سرحان مرزوق على تسميته “بهوية الترشح”). فقد أعلن أن هدفه هو العودة بالمحاماة إلى ثوابتها كيفما حددها الفصل الأول من قانون المهنة، وهي المشاركة في إقامة العدل والدفاع عن الحريات والحقوق الإنسانية. كما أنه أبدى عزما على كشف أوضاع صندوق التقاعد والحيطة لعموم المحامين والعمل على إيجاد الحلول لإصلاحها.

في مقابل هذا تاه خطاب منافسيه في عموميات المعتاد من الوعود التي لا يملكون شيئا من وسائل الوفاء بها. بل إن بعض انصارهم داخل المحاما كرسوا الجانب الأوفر من جهودهم أثناء الحملة لمحاولة إسقاط الأستاذ بالثابت بسعي من أشخاص لا يدري أحد على وجه الدقة طبيعة ومدى علاقتهم بالسلطة القائمة، رغم اقتناع الأغلبية بأن قدرات السلطة في توجيه دفة الانتخابات محدودة سواء على مستوى المنهجية أو على مستوى الوسائل. وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الذين عملوا على “محاربة” الفائز بالانتخابات موزعون على جميع ما يسمى بالعائلات السياسية، وأن أسبابهم متنوعة، فمنهم من تصرف من منطلقات إيديولوجية أو سياسية أو حتى مهنية لكن منهم كذلك أصحاب دوافع انتهازية لا تخفى على أحد، ممن أدمنوا عشق السلطة، كل سلطة، حتى صارت حاجتهم إليها مثل حاجة العبيد المحررين حديثا إلى أسيادهم القدامى.

لكن ما تغير أكثر وأثّر في ميولات المحامين هو وضع البلاد، والمحاماة جزء منها، لاسيما الاجراءات الخرقاء الظالمة التي ما انفكت السلطة تتخذها في السنوات الأخيرة في إدارتها لمرفق العدالة، فضلا عن الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي بات الجميع تقريبا يعاني من تأثيراتها، والمحاكمات التي عاشتها البلاد يضاف إلى ذلك سلبية المحاماة وضعف مواقفها إزاء كل ذلك.

بناء على كل هذا يمكن القول أن السياسة لم يكن لها الدور الحاسم، في تصعيد الأستاذ بالثابت إلى العمادة، فاليسار في المحاماة كما في البلاد يسارات، واليمين يمينات. كما أن الأيدي التي صوتت للعميد لم تكن فقط أيدي المحامين الذين اودعوا الصندوق أوراق الاقتراع، بل كذلك أيدي السلطة (ولا علاقة لهذا بالتهاني المسمومة الصادرة عن بعض أذنابها) وأيدي العميدين السابقين ومن جاراهما في المواقف من أعضاء الهيئة، وأيدي المظلومين في هذا العهد، والمدافعين عن الحرية في كافة القطاعات… أملا في غد أجمل…

وبقدر اتساع آمال هذه الجموع، تبدو المسؤولية الملقاة على عاتق العميد والهيئة ثقيلة. وهي مسؤولية ملقاة على المحاماة برمتها لا على العميد والهيئة وحدهما. ومن منطلق الوعي بهذا بدأ العميد فور إعلان النتائج بالامس بالتأكيد على أنه عميد كافة المحامين (لا فقط من صوتوا له، أو منزهبوا إلى التقاط الصور معه رغم أنهم لم يكونوا يوما من المساندين لترشحه) ودعاهم إلى الالتفاف حول هياكلهم للدفاع عن حق البلاد عموما والمحاماة في إرساء دعائم قضاء مستقل ناجز وعادل.

على الآمال أنهي هذه السطور مع اقتناعي بأننا نحن جميعا من نحققها لنستحق حياة أفضل…

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.