متى تتحرر المرأة العربية فعلا من أغلال الذكورية ؟

حين تقرأ لبعض كتاب المشرق و بالذات في السعودية و هم يستلون سيوف النقد لأوضاع المرأة الإيرانية تظن في لحظة غباء فكري أن أوضاع المرأة السعودية متقدمة وهي تنال حقوقها كاملة فى ممارسة حياتها الطبيعية و الحال أن الحال هناك أسوأ مما هو في إيران و أن تلك الكتابات المدفوعة الأجر لم تخرج للوجود إلا في نطاق حملات  لتجميل صورة النظام و شفط عيوب تفكيره القروسطي الذي يستمر في اعتبار المرأة مجرد وعاء جنسي لا غير.  

 أحمد الحباسي

أقول أن مصيبة هذه الأمة تكمن في قادتها و فى أمية قادتها السياسية و لكم أن تنظروا حولكم فستجدون لا محالة أن قادتنا هم مجرد شخوص باهتة لا يملكون الحد الأدنى من الوعي السياسي لقيادة الشعوب نحو التحرير و الديمقراطية.

هم إما قادة بالوراثة أو بالانقلاب أو بالصدفة و لا أحد فيهم تم انتخابه بشكل ديمقراطي لا غبار عليه و حاز على الأغلبية أو الإجماع بالصندوق و في ظروف طبيعية.

لعل المثير في الأمر أن هناك صفحات من التاريخ تشهد بما حدث للشعوب السابقة من استبداد و قهر و تخلف و كيف خرجت هذه الشعوب من عدة مآسي بعد نضالات كبرى دفعت فيها خيرة شبابها و مثقفيها. هذه الصفحات كان بإمكان القادة العرب لو ملكوا الحد الأدنى من الثقافة السياسية أن يتم استغلالها و ربح الوقت و ذلك بالإسراع بتحرير المرأة من سلاسل العبودية القروسطية التي كبلوها بها لغايات انتهازية بحتة كالإسراع بتركيز دعائم البساط الديمقراطي و نشر ثقافة حرية التعبير كأساس للتنفيس عن الفكر و دفعه لإنتاج ثقافة تكون مزيجا من المسؤولية عند إبداء الرأي و حرية في ابتداع الأفكار النيرة القادرة على خلق تفاعل اجتماعي يرفع من نسبة الوعي و يخفض من نسبة الأمية السياسية.

تحرر المرأة هو أقوم السبل نحو تحرر الأمة

من العجب أن يتذكر البعض وصية النبي صلى الله عليه و سلم حين أوصانا بالنساء خيرا و نرفض أن نطبق مفهوم فعل الخير في النساء و هي وصية لو اتبعها حكامنا و فعلوا ما يلزم لتطبيقها لرفعت من شأن المرأة للعربية عاليا و لم تتركها لعبة هينة و طيعة في يد عمائم الشر و كهنوت جاهلية هذا العصر الذي استأسد فيه غلاة التطرف و باتوا  فاتقين حاكمين بأمرهم يدفعون بالمرأة إلى جحور النخاسة و جهاد النكاح.  

قناعتنا أن المرأة العربية لن تتحرر إلا حين تفقه أن مصيرها الحالي ليس مصيرا محتوما و أن طريق التحرر يمر عبر النضال و خوض المعارك ضد أنظمة عميلة منتهكة الضمير. لذلك طالما اعتبرنا أن معركتنا مع هذه الأنظمة هي معركة جهاد و تحرر من العبودية و أن تحرر المرأة هو أقوم السبل نحو تحرر الأمة بأسرها و أن أمة معزولة عن قيم تحرر المرأة هي أمة بلا مستقبل حتى لو تجمعت فيها ثروات الأرض و خزائن مال قارون.

إن معركة المرأة في إيران أو تونس أو السعودية أو المغرب هي نفس المعركة و لذلك نقول أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة لأن الحقوق التي اغتصبتها المؤسسات الدينية في كل هذه البلدان بداعي المحافظة على القيم و الأصالة و الاحتشام هي يافطات و عناوين مزورة و منافقة و لا تهدف إلا لاختلاق سجن أبدى تساق إليه المرأة العربية صاغرة طيعة دون بصيص أمل يتيم في أن تخرج منه يوما.

الانغلاق الفكري الذكوري ما يزال طاغ في البلدان العربية

 من المصائب الفكرية المتواترة أن يتم التركيز على دول بعينها كأن المرأة في باقي الدول الأخرى تعيش عصر الانفتاح الفكري للرجال مع إن الحقيقة تقر بعكس ذاك تماما لإن الانغلاق الفكري الذكوري هو الطاغي في كل البلدان العربية دون استثناء. لذلك ندعو  بقوة إلى ثورة نسائية فكرية ثقافية متعددة الفروع و الأهداف من شأنها أن تفرض على حكام العرب و مؤسساتهم الدينية إعادة النظر في أسلوب استعبادهم للمرأة بالاقتناع أن مواصلة نفس النهج سيخلق هوة سحيقة بينهم و بين نسبة كبيرة من شعوبهم. 

نحن نتساءل بمنتهى الجدية لماذا يرفض المثقفون العرب إعطاء حيز زمني معقول لموضوع تحرر المرأة و صدقا لا نجد تفسيرا منطقيا و مقبولا بعض الشيء إلا حين نتذكر أن غالبية المثقفين العرب ينتمون إلى الخليج و إلى فكر وثقافة بول البعير و لذلك نفهم سر رفضهم لمفهوم تحرر المرأة أو الدفاع أصلا عن حقها في تقرير مصيرها و نفهم أن مواجهة هؤلاء ستتطلب بذل جهود مضنية بما يزيد من اتساع الهوّة و يصبح موضوع تحرير و تحرر المرأة العربية و الخليجية بالذات أعسر من إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية. 

هناك واقع صارخ يقول أن المجتمع الذكورى العربي يستخدم الدين والعادات و القيم الإنسانية لمحاربة المرأة والإنقاص منها بجعلها أحد متممات الرجل وليس كائنا بشريا ذا كرامة وحقوق و هذا الواقع  سيستمر الى عقود أخرى طالما لم تتوقف المؤسسة الدينية عن محاباتها و انبطاحها للحكام و تنزع إلى القيام بدور تنويري مناسب يقوم على أساس حق المرأة في التعبير و الانتخاب و ممارسة الديمقراطية و الاختيار.

إن المرأة التونسية لا تزال مكبلة بالأغلال ذاتها و بالأفكار المتعفنة ذاتها و كل ما حصل في واقع الأمر من سن بعض القوانين و التشريعات هو مجرد تنظيف و تزويق لهذه القيود و تلميعها لإيهام المتابعين هنا و هناك بأن المرأة التونسية قد باتت ذات حقوق و متحصله على مكتسبات تتعلق بفكرة التحرر و التطور و حتى يصدق البعض هذه الكذبة الكبرى و الحال أن مجرد إلقاء نظرة سريعة على ما تعانيه هذه المرأة في علاقتها و صراعها مع الرجل لتنال بعضا من حقوقها عند الطلاق أو عند مطالبته بالإنفاق كفيل بأن يجعل البعض يخجل و ينكس نظرات عينيه.

لقد بات واضحا أنه و رغم وعود الحكومات بتغيير قوانينها و أنظمتها التمييزية ضد المرأة تحت ضغط الرأي العام و بعض منظمات حقوق المرأة إلا أن دار لقمان لا تزال على حالها و بقيت تلك الحكومات تتأرجح في قراراتها و ترجىء التغييرات المطلوبة مراعاة للتيارات الدينية المتطرفة التي حرصت على كسب ودّها و عدم معاداتها باعتبار سيطرة تلك التيارات على مفاصل القرار في الدول الخليجية المانحة.

نحن نعلم علم اليقين أن حال المرأة العربية سيزيد سوءا مستقبلا لأن التيارات الدينية كما أفلحت في تمزيق الأوطان مثل سوريا فإنها ستفلح في وئد كل مسعى إصلاحي يهم حقوق المرأة العربية.

* كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.