نشرت الأستاذة المحامية ليلى حداد مساء اليوم الاثنين 27 أكتوبر على صفحات التواصل الإجتماعي الرسالة التالية التي حملها لها لسعد اليعقوبي “إلى إخوة الدرب ورفقاء الطريق…”
“أما المنتظرون في الزاوية، الذين يكتفون بالفرجة والهمس، فلا تحاولوا…
فما بيننا وبين درب النضال ليس نزوةَ لحظةٍ، بل عهدُ رجالٍ خُلقوا من صبر الأرض وملحها.
اليوم، وفي طريقي إلى السجن، حيث يرقد لسعد اليعقوبي خلف القضبان، كنتُ أحمل في صدري أسئلة كثيرة عن وطنٍ صار يضع مناضليه في الزنازين، ويُكافئ المتملقين بالأوسمة والمناصب.
لكن ما إن فتحت الباب، حتى تبدّدت كل الأسئلة في ابتسامةٍ واحدة…
ابتسامة المنتصر للحياة، لا المنهزم أمامها.
استقبلني لسعد كما كان دومًا: ثابت النظرة، هادئ النبرة، يحمل في عينيه وهجًا لا يُطفئه جدار ولا قيد.
قال لي:
“بلّغ سلامي لعائلتي، وخاصة لابنتي التي كانت أقوى من السجن نفسه… أخبرها أنني مطمئن، لأن الحق لا يموت ما دام فينا إيمان.”
ثم تنفّس بعمق، كمن يكتب آخر سطرٍ في وصيته، وأضاف:
“أبلغ إخوتي ورفاقي في النضال أن لسعد الذي غزاه الشيب وهو يدافع عن كرامة المربين، ما بدّل تبديلاً، وما خان العهد. لم أساوم يوماً على الحق، ولم أمدّ يدي إلى ما ليس لي… فكيف يُقال إني سرقت عرق من علّمتهم الشرف؟”
أي زمنٍ هذا الذي يُحاكم فيه الشرفاء بتهمٍ ملفّقة؟
ملفٌّ لا يتجاوز فيه المحجوز سبعة أطنان، بوثائق رسمية وفواتير موثقة، ومكان خزنٍ مرخّص من الدولة نفسها…
لكن يبدو أنّ الحقيقة لا تكفي حين تكون النية الانتقام لا العدل، وأنّ النزيه حين يعتكف لعائلته بعد عمرٍ في النضال، يُراد له أن يُدان لأنه لم يساير لعبة الصمت.
ومع ذلك، خرجت من لقائنا وقلبي أكثر طمأنينة.
فالرجل الذي أمضى عمره يحمي كرامة المعلم والمدرسة العمومية، لا يحتاج إلى براءةٍ على الورق…
براءته مكتوبة في ذاكرة كل مربٍ شريف، وفي وجدان كل تلميذٍ تعلم أن يقف لا أن ينحني.
قال لي وهو يبتسم كمن يعرف قدر نفسه:
“لا تقلقوا عليّ… نحن جيل لم نعش في الرخاء، وُلدنا من رحم المعاناة، وخُلقنا لنناضل حتى آخر رمق. فحريتي لا يسلبها أحد مادمت نظيف اليد، ومادام ضميري صاحياً.”
خرجتُ من هناك أحمل صوته كرايةٍ في وجه العتمة، وابتسامته كضوءٍ يُضيء الطريق لكل من ظنّ أن الشرف يُكسر.
لقد فهمتُ يومها أن السجن لا يقيّد جسداً، بل يكشف معادن الرجال.
وأنّ الأوطان التي تضع مناضليها خلف القضبان، إنما تسجن نفسها في الظلم.
لسعد لا ينتظر الشفقة، بل الوفاء…
وفاء من ساروا معه على الدرب نفسه، من حملوا همّ المدرسة العمومية، من عرفوا أن الكرامة لا تُباع ولا تُشترى.
الحق سيعلو، لأنّ الشمس لا تُحجب بغربال الظلم،
ولأنّ من تربّى على الصدق، لا يخاف من محكمةٍ ولا من قيد.
سلامٌ عليك يا لسعد… من قلبٍ يعرف أنك لم تُهزم، بل صرت اليوم رمزًا لكل من لم يساوم”.



شارك رأيك