رأي خبير اقتصادي بشأن الإضراب العام الأخير لموظفي البنوك

في تدوينة على الفيسبوك نشرها اليوم الأربعاء 05 نوفمبر 2025، أبدى الخبير الاقتصادي رأيه بشأن الإضراب العام الأخير لموظفي البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية، والذي شهدته أغلبية كبيرة من المهنة، يومي 3 و4 نوفمبر.

رضا الشكندالي

توضيح موقفي بخصوص إضراب أعوان البنوك ليومي 3 و4 نوفمبر 2025 بعد تصريحي به في جوهرة ف م يوم 4 نوفمبر 2025 :

كان لهذا التصريح عديد التفاعلات الإيجابية والمؤيدة لما جاء في مضمونه، لكن كذلك مئات ردود الأفعال السلبية والتي صنفتني في صف “خبراء الهانة” وفي صف المترفهين من الشعب التونسي أو في صف المعارضين السياسيين للمساروأنني لا أتكلّم إلا لأعارض الحكومة.

أريد أن أبوضّح لكل هؤلاء أن :

1. عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم : “من سُئل عن علمٍ فكتمه ألجمه اللهُ بلِجامٍ من نارٍ يومَ القيامةِ”، فإن دوري كمثقف متخصص في الشأن الاقتصادي، أن أفسّر للرأي العام خطورة الإجراءات أو السياسات الاقتصادية التي تضر بالبلاد والعباد حتى ألفت نظر الحكومة لتفاديها واتباع غيرها من السياسات التي تفيد تونس. فالقصد ليس الانتقاد والمعارضة للمعارضة بل للفت نظر أصحاب المسؤولية حتى يتفادوا هذه الإجراءات.

ولا داعي لأن أمجّد أو أطبل للسياسات التي أرى فيها فائدة اقتصادية للبلاد، فهي بدورها في طور التطبيق وليست بحاجة لمدحي أو لتطبيلي.

وبالتالي إن وجد بعض متابعي لتصريحاتي الإعلامية أنني لا أظهر أو لا أكتب إلا لأنتقد، فهذا هو دوري الطبيعي كمثقف وليس دوري لأمدح أو أن لأطبل للمسؤولين، فمواقعهم تستوجب منهم خدمة هذا الشعب الكريم ولا مزية لأي مسؤول على تونس.

التدهور في المقدرية الشرائية

2. بالنسبة لإضراب أعوان البنوك، طرحت في بداية تصريحي المسألة كما هي بدون أن أبدي رأيا في ذلك :

– مفاوضات عادية تجرى في شهر ماي من كل ثلاث سنوات بين “الجامعة العامة للبنوك” من ناحية و”المجلس البنكي والمالي” من ناحية أخرى وأفضت المفاوضات الأخيرة، والتي وقعت في ماي 2022 الى زيادة ب 6.7 في المائة في أجور موظفي البنوك.

– إلا أن قانون المالية لسنة 2025 غيّر في جدول الضريبة على الدخل تضررت منه كل الطبقة الوسطى ومنها موظفي القطاع البنكي والمالي حيث امتص هذا التغيير تقريبا كل الزيادة في الأجور.

– علاوة على ذلك، حرم المجلس البنكي والمالي موظفي البنوك من التمتع بمزايا الفصل 412 والذي يقضي بـنزيل نسبة الفائدة الى النصف بالنسبة للقروض ذات نسبة الفائدة القارة والتي تمتّع بها تقريبا كل حرفاء البنوك.

– هذه الإجراءات، مع تفاقم التضخم المالي خاصة بالنسبة للمواد الأساسية، أدّت الى تراجع المقدرة الشرائية لأعوان البنوك مما جعلهم يطالبون بانطلاق المفاوضات العادية المتعطلة والتي كان من المفروض انطلاقها في سبتمبر 2025 من أجل الترفيع في أجورهم لسنة 2025.

– أما بالنسبة للسنة القادمة، فمسالة الترفيع في الأجور حسمت في مشروع قانون المالية لسنة 2026 حيث ستتولى السلطة التنفيذية قرار الزيادة بدون المرور الى مفاوضات اجتماعية مع الطرف النقابي، فالدولة تريد أن تلعب دورها الاجتماعي ولا حاجة لها لجسم وسيط يتولى ذلك.

– هذا التوجه في السياسة الاجتماعية للدولة، في مشروع قانون المالية لسنة 2026، قد يكون من الأسباب التي دفعت المجلس البنكي والمالي الى عدم التفاوض مع الجامعة العامة للبنوك حيث خيّر الانتظار بضعة أشهر حتى تقرر الدولة مقدار هذه الزيادة في الأجور حسب أحكام قانون المالية لسنة 2026 ليلتزم بها أما موظفي البنوك.

3. في إطار الدفع الى الأمام وليس الى الوراء، فالاجراءات الاقتصادية الصحيحة هي التي تمكّن من تحسين أحور التونسيين وليس الحط منها والمقاربة التي أتبناها هي أن يلتحق الفقير بالغني ولا أن ينزل الغني الى مستوى الفقير في إطار توزيع عادل للثروة وليس للفقر كما يحبذه بعض من انتقدوا بشدة تصريحاتي حول الإضراب.

4. أؤمن كذلك بأن الثروة في تونس ليست موزعة توزيعا عادلا وأن عديد القطاعات التي تستحق توزيعا عادلا لصالحها، كقطاع التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي وقطاع الصحة، يشهد موظفيها تدهورا رهيبا في مقدرتها الشرائية مما أجبرها على الهجرة خارج أرض الوطن وإفادة أوطان أخرى. هذه القطاعات مهمة ولا بد من تحيسن دخل موظفيها، فهي مستقبل الأمم وفيها من الكفاءات العالية التي قضّت أكثر من نصف أعمارها في طلب العلم. نفس الئيء بالنسبة للمهندسين.

مراجعة كلية لسياسة الأجور

وبالتالي، فإنني أرى أنه لا بد من مراجعة كلية لسياسة الأجور وربطها بالمستوى العلمي، إذ لا يعقل كما لاحظ بعض المتابعين لتدويناتي أن يتحصّل موظف في البنوك أو في مؤسسة عمومية أو خاصة، مستوى إجازة، على أجر أرفع من أجر أستاذ جامعي أو طبيب صحة عمومية. هذه المراجعة من مشمولات الدولة إذ تتحمل الدولة لوحدها المسؤولية كاملة ولا دخل لموظفي البنوك أو غيرهم من الموظفين إن كان أجرهم أعلى ممن درسوهم وكوّنوهم ولهم الحق الكامل كما لغيرهم في المطالبة باستقرار في مقدرتهم الشرائية.

5. في المؤسسات العمومية ومنها البنوك العمومية، أنا مع ربط الأجور بالنتائج المالية للمؤسسة، إذ لا يعقل أن تسجّل المؤسسة العمومية في كل السنوات خسائر فادحة ترمّم من طرف الدولة من جيوب التونسيين في شكل ضرائب وهي سخيّة مع موظفيها وتمتعهم بمزايا مالية عالية وهذا ينطبق على عديد المؤسسات العمومية في تونس.

وفي تقديري لا بد من ربط الأجور أو على الأقل الامتيازات في هذه المؤسسات العمومية بالنتائج المالية للمؤسسة وهذا الأمر يمكن أن ينطبق على البنوك. للبنوك في تونس تحقق أرباح عالية جدا وهي مطالبة بتوزيع جزء من أرباحها على موظفيها وموظفي البنوك ليسوا مسؤولين على طريقة تحقيق هذه الأرباح والتي جاءت أساسا من إقراض الدولة بصفر مخاطر وبنسبة فائدة عالية. المسؤولية في ذلك يتحملها البنك المركزي بتحديده لهذه النسبة العالية للفائدة المديرية وكذيك الدولة للإفراطها في الاقتراض من البنوك التونسية على حساب القطاع الخاص.

خبير اقتصادي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.