ان كان الاتحاد المغاربي حلما يراود أجيالا متتالية منذ حقبة الاستعمار وحروب الاستقلال وبقي إلى يومنا هذا بعيد المنال بل جعل من المنطقة المغاربية مسرحا للدسائس والضغائن وسباق التسلح فإن أي مساعي لبعث اتحاد ولو مصغًر بإقصاء طرف هام وأساسي كالمملكة المغربية سوف لن يصل إلى أي نتيجة سوى مفاقمة الأزمة ومزيد إضعاف المنطقة وفتح الأبواب على مصراعيها لمزيد إهدار الثروات وتفقير الشعوب والتدخل الخارجي.
إلياس القصري *

يجب تجنًب التمادي في هفوات الماضي وإن كانت عن حسن نيًة وإيمانا بطيبة الإنسان المغاربي التي آمنت خطأ بذوبان ملف الحدود التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي بهدف توسيع ما سمي الجزائر ولاية فرنسية وراء البحار على حساب المغرب وتونس التي وجدت منذ عشرات القرون ورفض السلط الجزائرية إرجاعها إلى اصحابها الشرعيين بل تمسكت بها بقوة السلاح وأساطير بدأت تهترى وتتبدًد بمرور الزمان لأنه كما يقول المثل التونسي حبل الكذب قصير.
فالمنطق يفترض أن يبنى صرح الاتحاد المغاربي بعد مصارحة ومصالحة حقيقية بين دول المنطقة جماعيا وكل واحدة مع شعبها كي تكون الارادة والآليات والأهداف منبثقة عن إرادة حرة وديمقراطية وإن لم يكن ذلك فسيكون الاتحاد المغاربي عبارة عن دكتاتورية وطغيان القوي على الضعيف وسعيا لإبقاء الوضع على حاله عوض السير إلى الأمام والتحاق المنطقة وشعوبها بركب الأمم المتقدمة اقتصاديا وسياسيا وإنسانيا.
ورغم الكلفة العالية لتضامنها مع جاراتها الشرقية و الغربية خلال الحقبة الاستعمارية وما جابهته من تقلًبات وهزًات داخليًة مباشرة وغير مباشرة خلال استقلال جاراتها فتونس لم تر منها إلا التعالي والرغبة في إضعافها بشتى الوسائل بما في ذلك زعزعة استقرارها الاجتماعي والأمني بمختلف الوسائل بما في ذلك الإرهاب و عمليًة قفصة الإرهابيًة في عام 1980 ليست إلا عيًنة ممًا عانته تونس من جاراتها التي بحكم حجمها الموروث من عمليات اقتطاع أراضي شاسعة من طرف القوى المستعمرة على حساب تونس و بقيًة الجوار أصبحت تتصرًف و كأنها وريثة الأراضي والخيرات المنهوبة والتصرفات الاستعمارية المهيمنة مع زراعة بذور الفتنة والانشقاق حتى تحت مسمًيات مغرية و مغالطة كالأخوًة و الوحدة الثنائية والإقليمية المغاربية.
رغم تضحياتها الجسام، تجد تونس نفسها كالطرف الخاسر على كلً المستويات وإن وضعها الحالي الحرج الذي يكاد يكون خانقا يرجع في نسبة عالية إلى ما تكبًدته من جاراتها في وضعها الاجتماعي والاقتصادي والأمني وخياراتها الدبلوماسية ممًا أنهكها وجعل منها لقمة سائغة لمزيد الانتهاكات.
ان منظومة التعاون الجهوي سواء على المستوى الثنائي أو المغاربي في حاجة إلى تقييم واقعي وصريح ومراجعة جذرية بعيدا عن الشعارات المغرية والمغلوطة كي نتوصل أخيرا إلى الندية المنشودة واستقلالية القرار الحقيقية وتقليص التأثيرات السلبية من الكيانات المجاورة بتصحيح الحدود الموروثة من الاستعمار والتخلص من الطوباوية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الصعب الذي أفقد منطقتنا توازنها وأنهك تونس وقلص من خياراتها الداخلية والخارجية بما يهدًدها بالعزلة الدولية ونسف سيادتها وديمومتها.
فلا مستقبل ولا ديمومة لأي تقارب أوتنسيق أو آليات إقليمية بدون المصارحة والمصالحة وتصحيح مخلفات الاستعمار و نبذ السياسة المدمرة للمحاور ونزعات الغطرسة و قمع إرادة الشعوب تحت أي مسمًى كان.
فما بني على باطل فهو باطل ولن يثمر إلا مزيدا من التخلف و القهر و الانحطاط.
* سفير سابق.



شارك رأيك