تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين تنشر رسالة الأستاذ رضا بلحاج

*سجن سليانة في 14/11/2025،
*رضا بالحاج
يعيش المرفق القضائي اليوم أسوأ حالاته منذ الاستقلال، إذ يكاد يعيدنا إلى عصور الظلمات والقرون الوسطى، حين كانت المحاكمات تُجرى في غياب المتهم، وتُخفى هويات شهود الإثبات الذين يُستعملون لإدانة الخصوم، وتُصدر الأحكام وفق أهواء الملك أو بطانته وباسمه طبق المرسوم الملكي لسنة 1776.

“ولم يتغيّر هذا الوضع الا بعد قيام الثورة الفرنسية، بصدور المجلة الجزائية سنة 1810 وتنقيحها سنة 1848، حيث أرست أسس العدالة الحديثة، وضمنَت استقلال القضاء، فأصبح حضور المتهم مقدسا وفرضت علنية المحاكمات وضمان حقوق الدفاع وخاصة مبدأ حق المواجهة والمكافحة.
غير أنّه، وفي خرقٍ فاضحٍ لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بالعدالة واستقلال القضاء، يجري اليوم نسف تلك المبادئ والمعايير وذلك بالإصرار على محاكمتنا عن بعد لطمس الحقائق في مخالفة صارخة لأحكام القوانين التي وضعت شروطا دقيقة لها.
لقد تحوّل الأمر إلى عملية تنكيلٍ وتشفٍّ ممنهجة، تستهدف كلّ المكتسبات الحقوقية، وتضرب في الصميم الحريات العامة والفردية، وتفرض على البلاد حالةً من التصحر الحقوقي والسياسي في شتى المجالات.
إنّ الهدف من هذه الممارسات لا يقتصر على كسر إرادتنا كسجناء رأي، بل يتجاوز ذلك إلى تركيع كل القوى الاجتماعية والمدنية، وبثّ الخوف والرعب في صفوف مناضليها.
هذا الوضع الخطير الذي يتهدد الدولة ومؤسساتها، ويقوّض مفهوم المواطنة والمساواة، ويهدد تماسك الشعب ووحدته ومستقبل الأجيال المقبلة، يفرض علينا جميعًا عدم مهادنته، بل مقاومته بكل الوسائل القانونية والشرعية المتاحة.
لابدّ من تحرّكٍ عاجل لتحرير القضاء من قبضة السلطة، وتمكين المحاماة من أداء دورها الطبيعي في صون سيادة القانون وضمان العدالة.
وحتى نحن، أسرى هذا النظام، كي لا تذهب تضحياتنا سُدى، علينا بمزيدٍ من التضامن والتكاتف فيما بيننا.
وبهذه المناسبة، أجدد تضامني مع صديقي ورفيقي في الأسر جوهر بن مبارك، وأعلم الرأي العام، وكل الأحرار، بدخولي في إضراب جوعٍ تضامني معه منذ يوم 8 نوفمبر احتجاجًا على استمرار المظلمة المسلطة علينا وعلى جميع السجناء السياسيين، على اختلاف توجهاتهم.
كما أعلن مقاطعتي جلسة المحاكمة عن بعد مع تمسكي بالحضور وألتمس من زملائي المحامين التخلي عن نيابتي في صورة إصرار المحكمة على مواصلة النظر عن بعد.
عاشت تونس حرّة، ديمقراطية، مستقلّة أبد الدهر.

سجن سليانة في 14/11/2025،
رضا بالحاج

شارك رأيك

Your email address will not be published.