رسالة المسرحي توفيق الجبالي إلى سنية الدهماني وكلّ سجناء الرأي

ننشر في ما يلي الرسالة المفتوحة الموجهة إلى سنية الدهماني غداة إطلاق سراحها المشروط، وإلى كافة المعتقلين السياسيين، والتي نشرها المسرحي توفيق الجبالي بتاريخ 30 نوفمبر 2025 على صفحته على الفيسبوك.

سنية العزيزة،

أكتب لكِ الآن، وأسمع في الخلفية صدى تلك الجملة التي خرجت منكِ هناك، خلف الجدران العالية: “نحب نروح لداري.” صرخة بسيطة… لكنّها كانت أثقل من السجن نفسه. صرخة لم تكن طلبًا، بل إعلانًا فاضحًا عن الظلم، وعن إنسانة تُسلب منها أبسط حقوقها : أن تعود إلى بيتها.

كيف نكتب بعد هذه الصرخة؟ وبأي مفردات يمكن للكلمات أن تقترب ممّا عاشته روحك طول ذلك الوقت، وكأن الزمن أُعيد تشكيله ضدك؟

أُطلِق سراحك منذ أيام… لكن من يعيد إليكِ الليالي الثقيلة، ومن يستطيع، بأي ذريعة، أن يقول بأي ذنب سُجِنتِ؟

السؤال موجع. والجواب ـ إن وُجد ـ ليس بريئًا. لكن ما نعرفه أننا، نحن الذين بقينا خارج الأسوار، لم نخرج سالمين. لم نخرج من ذنب التفرّج. ذنب ذلك الاطمئنان الوهمي: “هذا لا يحدث لنا”.

أتذكّركِ في حصص التياترو ستوديو. كنتِ تدخلين الركح بشجاعة، تختبرين السخرية لتفكيك الواقع لا للتخفيف عنه.

ظنَنّا يومها أننا نحسن المناولة: نمرّر الأفكار، نلعب مع اللغة، نضحك من الوجع كي لا نُهزم. لكن ما لم نحتسبه هو ذلك المتربّص الحقيقي خارج اللعبة… ذلك الذي لا يرى الفنّ، ولا يفهم الحرية، ولا يقيس وزن كلمة تُقال بضمير.

ما حدث لكِ لم يكن درسًا في السياسة. بل في هشاشة مجتمعٍ يقفز بين الخوف والتواطؤ، ويتركك تتوسلين : “نحب نروح لداري.”

سنية،

أكتب لكِ لأن وجودك بيننا اليوم ليس رجوعًا… بل استعادة. استعادة لصوت حاولوا إسكاتَه، ولحضور حاولوا محوه، ولإنسانة لم تطلب يومًا إلا الحقّ الواضح: أن تعيش بحرية… وأن ترجع إلى دارها.

وأهل المسرح يعرفون: هناك لحظات لا نصنعها نحن… بل تصنعنا هي. مرحبا بكِ بيننا. ومرحبًا بذلك الضوء الذي لم تستطع القضبان أن تطفئه… ولا أن تمنع صداه: “نحب نروح لداري.”

شارك رأيك

Your email address will not be published.