عيد الديوالي

 بقلم: سفيرة الهند في تونس الدكتورة ديفياني أوتام خبراجادي

 في 10 ديسمبر 2025، اعتمدت اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي قرار إدراج عيد الديوالي (ديبافالي) رسميًا على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية التابعة لليونسكو، في لحظة تاريخية لأحد أكثر المهرجانات العالمية رسوخًا ومحبة. ويأتي هذا الاعتراف تكريمًا للرمزية الكونية التي يجسدها الديوالي—انتصار النور على الظلام، والتجدد على الجمود، والتناغم الروحي على الخلاف—إلى جانب إبراز دلالاته الثقافية العميقة لدى مجتمعات عبر قارات العالم.

أهمية الاعتراف من قبل اليونسكو

يعزز إدراج الديوالي التزام المجتمع الدولي بصون تعابيره الفنية والثقافية والروحية المتنوعة، بما في ذلك حماية الحرف التقليدية مثل صناعة الديا (المصابيح الزيتية) ورسم الرانجولي، ودعم نقل الطقوس والعادات بين الأجيال، والتشجيع على أساليب احتفال شاملة وصديقة للبيئة. كما يمنح هذا الاعتراف دفعة قوية لجاليات الهند في الخارج للحفاظ على ممارساتها الثقافية، بما يضمن استمرار الديوالي كتقليد نابض بالحياة ومتجدد باستمرار.

ويمتلك التراث الهندي اليوم 15  عنصرًا مدرجًا على القائمة التمثيلية لليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ما يعكس تنوع تقاليد الهند الحية وغناها. وتشمل هذه العناصر فنونًا أدائية مثل الرامليلا، والشهاو، والكلبيليا؛ ومهرجانات وطقوسًا كبرى مثل “كومبه ميلا” و”دورغا بوجا” و”نوروز”؛ إضافة إلى نظم معرفية عميقة مثل اليوغا والإنشاد الفيدي.

الديوالي كتراث حي

يُعد الديوالي، المعروف عالميًا باسم “عيد الأنوار”، من أهم الاحتفالات لدى ملايين الأشخاص حول العالم، وتجري طقوسه عبر إضاءة المصابيح الزيتية، والعبادات، والموسيقى، والحكايات، والفنون التقليدية، والعادات الغذائية المميزة. وهو ليس مجرد مهرجان، بل تراث غير مادي ديناميكي ومتجدد، يضم معارف طقسية وحرفًا تقليدية وممارسات اجتماعية تنتقل عبر الأجيال. ولا يزال جوهر رسالته—المتجذرة في الأمل والتعاطف والمعرفة والوحدة الجماعية—يلهم العالم، ويجمع مجتمعات متعددة الخلفيات ضمن فضاء ثقافي وأخلاقي مشترك.

الاحتفال بالديوالي في الخارج: أيام الهند والديوالي في تونس

وفي تجسيد لروح التبادل الثقافي والتلاقي الحضاري التي تميز العلاقات بين الهند وتونس، نظّمت سفارة الهند في تونس—بالشراكة مع جمعية الصداقة التونسية الهندية والقنصلية الفخرية في بنغالورو—احتفال “أيام الهند والديوالي” في 15 نوفمبر 2025 بتونس. وحضر المناسبة مسؤولون رفيعو المستوى من وزارة الشؤون الخارجية التونسية وأكثر من 250 ضيفًا، في حدث عكس عمق الثقة وتنامي التعاون بين البلدين، المتجذر في الروابط البحرية التاريخية والمتعزز عبر العمل الدبلوماسي المتواصل.

وتضمّن البرنامج إضاءة المصباح التقليدي، وجلسة تأمل، وعرض رقص كلاسيكي، وعرض فيلم “الهند المذهلة”، وتقديمًا للأزياء الهندية التونسية، وركنًا لشاي آسام والبنغال الغربية، إضافة إلى مأكولات هندية تقليدية، كلها أبرزت الالتزام المشترك بالحوار والتفاهم الثقافي والصداقة وروح الديوالي.

الجاليات الهندية حول العالم: أمناء التراث الحي

تلعب الجاليات الهندية، التي يزيد عدد أفرادها اليوم على 22  مليونًا حول العالم، دورًا محوريًا تاريخيًا ومعاصرًا في حفظ ونقل التراث الحضاري الهندي. فمن خلال الجمعيات الثقافية، والمهرجانات، واللغات، والفنون، والعادات الغذائية، تُجسّد الجاليات جسورًا نابضة للهوية الثقافية الهندية، مانحة الأجيال الجديدة رابطًا حيًا بجذورها، في الوقت الذي تسهم فيه بفعالية في المجتمعات التي تعيش فيها.

وتدعم هذه الجاليات استمرارية النظم المعرفية التقليدية—من الفنون الكلاسيكية والآيورفيدا إلى العادات الإقليمية والقيم الاجتماعية—كما تعزز القوة الناعمة للهند عالميًا. ومن خلال مشاركتها في احتفالات الديوالي حول العالم، تؤكد الجاليات مكانة هذا العيد كتراث ثقافي مشترك للإنسانية.

مكانة الديوالي بين التقاليد الحية العالمية

مع إدراجه على القائمة التمثيلية لليونسكو، ينضم الديوالي إلى مجموعة واسعة من التعبيرات الثقافية التي تشكّل تراثًا مشتركًا للبشرية، ويعزز دوره كعامل أساسي في تعزيز التواصل بين الثقافات والهوية الجماعية.

عيد من أجل الإنسانية

يشكل إدراج الديوالي في 10 ديسمبر 2025 تأكيدًا قويًا على رسالته المتجددة ومعانيه الملهمة. وفي زمن يتسم بالتحديات العالمية والانقسامات الاجتماعية، يزداد بريق رموز المهرجان—انتصار النور على الظلام، والعلم على الجهل، والوحدة على الانقسام. وبصفته تراثًا عالميًا للأمل والإنسانية المشتركة، يواصل الديوالي إضاءة المخيلة الأخلاقية المشتركة لشعوب العالم.

شارك رأيك

Your email address will not be published.