في العاشر من ديسمبر من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، إحياء لذكرى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. هذا الإنجاز التاريخي أرسى دعائم النظام الدولي لحقوق الإنسان، وأصبح مرجعًا عالميًا يجسد قيم الكرامة والحرية والعدالة للإنسانية جمعاء.
وهي فرصة للتذكير بما أرساه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من دعائم المساواة والحريات الجوهرية والعدالة كركائز لا تنفصل عن الكرامة الإنسانية. علاوة على ما شكله كونه مرجعًا محوريا ألهم التشريعات الوطنية في شتى أنحاء العالم، مكرسًا حقوق الإنسان دون تمييز أو إقصاء. يمثل هذا الإنجاز الإنساني شاهداً على العزم المتواصل لصون حقوق الإنسان والدفاع عنها كمبدأ عالمي يسمو فوق كل أشكال الانتهاكات.
وفي هذه الذكرى لا يزال الوضع الحقوقي في تونس يشهد تراجعًا غير مسبوق، إذ يشكل مثالًا حيًا على التناقض بين المبادئ المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والواقع المعيش، حيث طالت الانتهاكات الحقوق الأساسية، لا سيما الحقوق المدنية والسياسية.
تواصلت انتهاكات حقوق الإنسان بنسق تصاعدي منذ تاريخ 25 يوليو 2021، في سياق تسعى فيه السلطة السياسية للتضييق على الفضاء العام وقمع الأصوات المعارضة وضرب المكتسبات الحقوقية التي حققها الشعب التونسي إبان ثورة 14 يناير. تجلى ذلك في تقويض هامش الحريات من خلال سن مجموعة من القوانين التي تجرم حرية الرأي والتعبير، على رأسها المرسوم عدد 54، إضافة إلى تنامي المحاكمات السياسية، عبر تطويع القضاء وجعله أداة تستخدمها السلطة ضد خصومها في قضايا ومحاكمات تفتقر لأدنى مقومات المحاكمة العادلة.
فضلاً عن الاعتقالات التعسفية التي تستهدف النشطاء المدنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بسبب ممارستهم حقهم المشروع في التعبير والدفاع عن الحريات، يواجه المجتمع المدني حملة ممنهجة تهدف إلى تهميش دوره وتجريم نشاطه، من خلال شن حملات تشويهية وفرض قيود تعسفية تحد من قدرته على العمل بحرية. ويتم ذلك عبر تأويلات مغرضة للقوانين المنظمة لنشاطه، بل وخرقها أحيانًا، في محاولة واضحة لردع المنظمات الحقوقية وشل دورها الرقابي والداعم للحقوق والحريات.
تعد حقوق النساء من بين أكثر الحقوق تضررًا في ظل المناخ السياسي الحالي، حيث شهدت هذه الحقوق تراجعًا ملحوظًا أمام ما حققته الحركة النسوية التونسية من مكاسب. تجلى ذلك في تقلص التمثيل السياسي للنساء بشكل حاد في مراكز القيادة والمحطات الانتخابية السابقة، وغياب الآليات المؤسساتية لحماية حقوقهن، بما في ذلك إضعاف دور المنظمات النسوية والحقوقية. تواجه النساء الناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان حملات تشويه ومضايقات ممنهجة، في محاولة لإسكات أصواتهن.
وفي ظل هذا السياق وما تعيشه البلاد من انتكاسة حقوقية في مختلف المجالات، تأتي هذه المناسبة كتذكير بأن حماية حقوق الإنسان ليست خيارًا سياسيًا بل التزامًا دوليًا وواجبًا دستوريًا لا يمكن التنصل منه أو إغفاله. احترام الكرامة الإنسانية والحريات الأساسية هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع ديمقراطي مستقر يحفظ حقوق جميع مواطنيه دون أي تمييز.
وفي هذا السياق، تهتم جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات بتوجيه توصياتها التالية:
إلى الدولة التونسية :
إلغاء المرسوم عدد 54 وجميع القوانين المقيّدة لحرية الرأي والتعبير، وضمان فضاء عام حر وآمن للجميع.
الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين السياسيين والنشطاء المدنيين والصحفيين المحتجزين على خلفية آرائهم أو نشاطهم الحقوقي.
وقف المحاكمات السياسية وضمان استقلالية القضاء وحياده، وعدم استخدامه كأداة لتصفية الحسابات السياسية.
احترام حرية تكوين الجمعيات وعمل منظمات المجتمع المدني، والكف عن التأويلات التعسفية للقوانين المنظمة لنشاطها.
تعزيز التمثيل السياسي للنساء في جميع مؤسسات الدولة، واعتماد سياسات فعلية لحماية حقوقهن ومكتسباتهن.
إعادة تفعيل الهيئات المستقلة المعنية بحماية حقوق الإنسان وضمان استقلاليتها الكاملة عن السلطة التنفيذية.
إلى المجتمع المدني:
مواصلة الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية ورفع راية حقوق الإنسان في وجه القمع والاستبداد.
تكثيف التنسيق والتشبيك بين مختلف مكونات المجتمع المدني لخلق جبهة موحدة للدفاع عن حقوق الإنسان.
تعزيز آليات الحماية للنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المعرضين للمضايقات والتهديدات.
إيلاء اهتمام خاص بقضايا النساء والفئات المهمشة وضمان تمثيلها في جميع المبادرات والنضالات الحقوقية.



شارك رأيك