زياد الدبار: “..معركتنا اليوم ليست معركة الصحفيين فقط بل معركة مجتمع يريد أن يعيش حرا”

في ما يلي كلمة نقيب الصحفيين التونسيين زياد الدبار في الندوة الصحفية المشتركة التي انتظمت اليوم الأربعاء 10 ديسمبر الجاري بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحقوق الإنسان:

“حضرات السيدات والسادة،
الزميلات والزملاء،
“أصدقاؤنا وشركاؤنا في الدفاع عن قيم الحرية والكرامة والحقّ في المعرفة،

“نحيي اليوم، مع العالم بأسره، اليوم العالمي لحقوق الإنسان. لكن احتفاءنا بهذا اليوم في تونس يأتي بطعم مرّ، لأنّ الحقوق التي نناضل من أجلها أصبحت اليوم مهدّدة بشكل غير مسبوق منذ الثورة.

“أودّ أن أبدأ مداخلتي بالحديث عن تواصل سجن الزميلة شذى الحاج مبارك مراد الزغيدي وبرهان بسيس على خلفية قضايا تتعلّق بالرأي والنشر، في حين أنّ القوانين التونسية تمكّنهم من المتابعة في حالة سراح.

“إنّ استمرار إيقافهم ليس مجرد إجراء قضائي، بل هو رسالة تخويف واضحة لكل صحفي يحاول أداء دوره الرقابي.

“وفي الوقت نفسه، تتواصل محاكمة الزميل محمد بوغلاب والمعلقة الإعلامية سنية الدهاني في حالة سراح في قضايا مرتبطة بالمرسوم 54، هذا المرسوم الذي تحوّل إلى أداة لضرب الحريات بدل أن يكون إطارًا لتنظيم الفضاء الرقمي وحمايته. لقد أصبح يُستعمل لتجريم الرأي وتكميم الأفواه ومحاصرة العمل الصحفي بسلسلة من التهديدات القضائية.

:حضرات الحضور،
إنّ ما نعيشه اليوم لا يقتصر على التضييقات القضائية، بل يمتد أيضًا إلى تضييق ممنهج على حرية النفاذ إلى المعلومة. المؤسسات العمومية تحجب الوثائق، وترفض الإجابة، وتدير علاقتها بالإعلام بمنطق المنع لا بمنطق الشفافية، رغم أنّ الحق في المعلومة مكفول بالدستور والمواثيق الدولية وهو شرط أساسي لوجود صحافة جادّة ومستقلة.

ولا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان دون التوقف عند الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين. فلا حرية دون كرامة، ولا استقلالية دون ظروف عمل عادلة. لقد تجاهل قانون المالية الأخير للمرّة الألف مطلب فتح مناظرات لانتداب الصحفيين في المرفق العمومي، وتجاهل معالجة وضع المئات من خريجي معهد الصحافة المعطلين عن العمل، الذين يُتركون دون أفق مهني رغم الحاجة الملحّة إلى تجديد دماء الإعلام العمومي.

“وفي المقابل، يعيش عشرات الزملاء في ظروف هشاشة تصل حدّ أشكال من العبودية الحديثة داخل بعض وسائل الإعلام الخاصة: عقود هشة، أجور غير منتظمة، غياب الحماية الاجتماعية، وهي مؤسسات تعيش بدورها تحت وطأة تجفيف ممنهج لمصادر التمويل، ما يهدد باندثارها وتقلص المساحات الإعلامية الحرة والمتنوعة.

“إنّ هذه الإشكاليات كانت محور الوقفة الاحتجاجية الأخيرة في ساحة القصبة، كما كانت موضوع عديد المراسلات إلى سلط الإشراف، التي قدّمنا فيها مقترحات واضحة لحل الأزمة، لكنّ الرد كان دائمًا الصمت… صمت يُراد به تعفين الأجواء ودفع القطاع إلى مزيد من الانهيار.

“إنّ تجاهل هذه المطالب لا يترك أمامنا سوى خيار واحد: الدفاع عن منظوري النقابة بكل الطرق القانونية والنضالية المتاحة، في مواجهة سلط لا تسمع ولا تتكلم ولا تتحرك، وكأنّ مصير قطاع الإعلام لا يعنيها.

“حضرات السيدات والسادة،
لن يكون هناك احترام لحقوق الإنسان في تونس ما لم تُحترم حرية الصحافة. ولن يكون هناك مستقبل ديمقراطي ما لم نحمِ الحقّ في الكلمة الحرة، وفي النقد، وفي الوصول إلى المعلومة.

“إنّ معركتنا اليوم ليست معركة الصحفيين فقط، بل معركة مجتمع يريد أن يعيش حرًا”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.