لم يتقاسم الأستاذ خالد الكريشي سابقا أفكارها و لكن اليوم يكتب عن الأستاذة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر التي صدر في حقها، الجمعة الفارط، حكم بسجنها 12 سنة في قضية، مكتب الضبط برئاسة الجمهورية بكل ألم. كتب خالد الكريشي ما يلي:
“12 عامًا من السجن لمجرّد إيداع مراسلة في مكتب الضبط!؟
كلّ التضامن مع الأستاذة عبير موسي، تضامنًا مطلقًا لا يقيّده قيدٌ ولا يضبطه ضابط، أمام هذا العبث غير المسبوق بالقانون وبالحقوق الأساسية.
“تضامنك مع عبير موسي لا يحتاج تلك اللازمة المتعفّنة: «رغم دورها في إجهاض الانتقال الديمقراطي…»، وكأنّها كانت وحدها في غرفة العمليات، تمسك المقصّ بيد وتخنق المسار باليد الأخرى، بينما كان البقيّة يصلّون للديمقراطية وتباركهم المنظمات الدولية بالماء المقدّس والتقارير السنوية.
إن كان الانتقال الديمقراطي قد انهار لأنّ امرأة واحدة عطست خارج النصّ، فالأجدر بنا إعلان الحداد لا على المسار، بل على عقل سياسي يؤمن أنّ الأوطان تُدار بمزاج شخصي ويختزل خراب عقد كامل في اسم واحد يصلح كبش فداء.
الأكثر إضحاكًا حدّ الغثيان أنّ من فشل وتواطأ وصمت وساوم ووقّع على محاضر الإفلاس السياسي يخرج اليوم بعضلات وهمية ليعطينا دروسًا في الديمقراطية، كأنّه كان في الصفّ الأمامي من التاريخ، لا في الصفّ الخلفي من الانتهازية بانتظار تغيّر الرياح.
ثمّ لنكن صريحين حتى النهاية: أغلب من يتشفّى اليوم في عبير موسي كانوا معها قبل الثورة، تحت السقف نفسه، في حزب التجمّع المنحل، يصفّقون بالوتيرة نفسها ويؤمنون بالحكمة نفسها، لكنّهم في ليلة ثورية واحدة تحوّلوا إلى ثوّار 15 جانفي، مناضلين فجأة، طاهرين فجأة، وديمقراطيين بالوراثة. ومن كان بيته من زجاج لا يقذف غيره بالطوب،
لكن في هذا البلد بيوت الزجاج تحوّلت إلى مصانع حجارة، وأكثر الناس هشاشة هم أكثرهم رشقًا للآخرين.
وهل المطلوب من عبير موسي أن تؤدّي طقس الولاء الأبدي لـ14 جانفي، أن تبكيه كلّ صباح، وتجدّد البيعة كلّ مساء، وتُدرج موقفها في كتيّب الطهارة الثورية؟
من حقّها أن تعتبره مؤامرة، ومن حقّك أن تعتبره ثورة، ومن حقّ غيركما أن يضعه في متحف الانقلابات الناعمة إلى جانب 7 نوفمبر و25 جويلية… الاختلاف فقط في الأزياء والديكور.
أمّا هذا الإصرار المرضي على تحويل المواقف السياسية إلى عقيدة جامدة فلا ينتجه سوى بشر يفتخرون بأنّهم لم يغيّروا رأيًا منذ خمسة عشرة سنة، كأنّ الغباء ثبات، والجمود بطولة، والعجز فضيلة وطنية.
الديمقراطية، يا جماعة الخير، لا تُبنى بصناعة الأعداء، ولا بتبييض الفشل الجماعي عبر شيطنة شخص واحد، ولا بتوزيع صكوك الثورة على المقاس وبأثر رجعي؛ الديمقراطية تبدأ يوم يعترف الجميع، بلا استثناء، أنّهم شاركوا في الخراب، لكنّهم يفضّلون أن يدفع الفاتورة شخص واحد نيابةً عنهم جميعًا”.



شارك رأيك