اشادة بمبادرة تونسيّة مقاومة لكافّة الميز العنصري في أطر سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة تتنوّع أنشطة الأقسام العلميّة، وورشات التفكير بالمجمع التونسي للعلوم و الآداب والفنون “بيت الحكمة” وفقا لتعدّد الأجناس المعرفيّة، وانسجاما مع مستجدّات القضايا الوطنيّة والإقليميّة والعالميّة.
وفي هذا السياق نظّم مركز الدّراسات الإفريقيّة بالأكاديميّة يومي 11و12 ديسمبر الجاري ندوة دوليّة بدعم من منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بعنوان “من العبوديّة في تونس إلى إلغائها وتجليّاتها الراهنة”.
وقد تضمّن النشاط أربع جلسات علميّة بمشاركة أكاديميين وباحثين متعدّدي الاختصاصات العلميّة والفكريّة ذات العلاقة بالقضايا الحضاريّة والتاريخيّة والاقتصاديّة والحقوقيّة والسوسيولوجيّة الخ.
وانتظمت فعاليّات اليوم الأوّل في مقرّ مركز الموسيقى العربيّة والمتوسّطيّة، النّجمة الزهراء، وافتتحها الدكتور محمود بن رمضان رئيس مجمع “بيت الحكمة” بمداخلة، ندّد فيها بالعبوديّة بوصفها “منافية للقيم الإنسانيّة” وبجوهر الأبعاد الحقوقيّة الكونيّة، كما ذكّر في افتتاحيّته الترحيبية بجميع المساهمين والمشاركين في النشاط بأهداف المركز العلميّة والفكريّة، وبأهميّة الاستثناء التونسي في مجال مقاومة ظاهرة العبوديّة وانعكاسات إلغائها محليّا وكونيّا، وبالعمق الإفريقي لتونس.
وفي هذا الإطار اهتمّت الجلسة العلميّة الأولى بمكانة وحضور ذوي البشرة السوداء في تونس وفي شمال إفريقيا منذ العصور الموغلة في القدم، وبالقراءات الأورومركزيّة ذات العلاقة بهذه القضايا.

كما تمّ عرض مقتطفات من عمل سنيمائي، أعدّه المجمعي والمخرج هشام بن عمّار حول ظاهرة الاستعباد، ويعرض العمل كاملا في الشهر القادم خلال تظاهرة علميّة ذات علاقة بالإشكاليّة المطروحة، ينظّمها مجمع بيت الحكمة بمناسبة الذكرى 180 للقرارات الصادرة عن أحمد باي الرافضة لأشكال العبوديّة، وذلك على امتداد سنوات 1841 – 1846، تلك التي أضحت محلّ اهتمام كبار المؤرّخين العالميين مثل المؤرّخ الأمريكي كارل براون.
كما تناولت الجلسة العلميّة الثانية إجراءات الإلغاء بين السياق الوطني والمؤثّرات الخارجيّة، ومسألة إلغاء الرقّ بتونس وأبعادها السياسيّة والاجتماعيّة والحقوقيّة والعلميّة.
وانتظمت الجلسات العلميّة لليوم الثاني في مقرّ المجمع، متناولة إشكاليّات الفكر التمهيدي في بناء المسار التاريخي لقرار إلغاء العبوديّة في تونس والأطر السابقة للقرار، إلى جانب السياقات الوطنيّة والإقليميّة والعالميّة، ومدى تأثيرها في آليّة الإلغاء، كما تطرّقت بعض المداخلات إلى قضايا التشريعات بين النظري والتطبيقي، ورهانات هذه المبادرة التونسيّة على الرّغم من طبيعة تلك السياقات الوطنيّة والإقليميّة لنستخلص حجم مبادرة تونسيّة مقاومة لكافّة أشكال العبوديّة والرق والميز العنصري في أطر سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة، تهيمن فيها تحديّات كبرى معيقة للمسارات الحقوقيّة ومطالب المواطنة.
و تتنزّل الندوة في إطار سلسلة ورشات تفكير وأيّام دراسيّة وحلقات نقاش وموائد مستديرة، نظّمها المركز حول القضايا الإقليميّة والقاريّة، وخاصّة تلك القضايا والرّهانات المسكوت عنها في قارّة حبلى بالثروة والتناقضات، والمكانة الكبرى جيو-سياسيّا و لذلك انخرطت أكاديميّة “بيت الحكمة”عبر مركز الدراسات الإفريقيّة في مسار “إعادة بناء الروابط مع إفريقيا” وفقا لعبارة رئيس المجمع الدكتور محمود بن رمضان، المشدّد في فعاليّات الاختتام على أنّ المجمع يعتزم مواصلة هذه الأعمال العلميّة والتأمّلات الفكريّة بالشراكة مع المؤسّسات الأكاديميّة والجامعيّة والمعاهد المختصّة، من أجل القطع مع أخطاء الماضي، وبناء مستقبل قوامه احترام مواثيق المساواة والانصاف.
منصف كريمي



شارك رأيك