كان من المنتظر إجراء فيصل القاسم حوارا مع إلياس الشواشي نجل المعتقل السياسي غازي الشواشي وزير سابق و امين عام سابق لحزب التيار…
و لكن آخر الأخبار ينشرها الناشط الحقوقي كمال الجندوبي على صفحات التواصل الإجتماعي مؤكدا من خلالها أن ضيف القاسم لن يحضر في برنامج “الاتجاه المعاكس” المبرمج يوم الثلاثاء 23 ديسمبر 2025:
“إلياس الشواشي يُمنع من دخول الدوحة: تساؤلات جدّية حول حرية التعبير وأمن المعارضين
تمّ احتجاز إلياس الشواشي لعدة ساعات من قبل شرطة الطيران والحدود في مطار الدوحة، أثناء توجّهه إلى دولة قطر بدعوة رسمية من الإعلامي فيصل القاسم للمشاركة في برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة الجزيرة. وقد تمّ لاحقًا ترحيله إلى فرنسا، البلد الذي يقيم فيه ويعيش مع عائلته.
إن ما حدث يشكّل فعلًا سياسيًا متعمّدًا، هدفه منع صوت تونسي ناقد من التعبير عن رأيه ضمن فضاء إعلامي دولي، ويؤسس لسابقة بالغة الخطورة تنبّه بشكل جدّي إلى المخاطر التي بات يتعرض لها الناشطون والديمقراطيون التونسيون — بل والمعارضون في عدد من الدول العربية عمومًا.
يُعدّ إلياس الشواشي أحد الوجوه المعروفة في النضال السياسي التونسي، وهو منخرط في الدفاع عن العودة إلى الديمقراطية الدستورية وعن حقوق المعتقلين السياسيين. وكنشط في التيار الديمقراطي، تميّز بعمل دؤوب في فضح التوظيف السياسي للقضاء، كاشفًا بالأدلة والوثائق آليات إخضاع المؤسسة القضائية والتلاعب بالمسارات القضائية في القضايا السياسية الكبرى المرفوعة ضد المعارضين.
وهو أيضًا نجل غازي الشواشي، الوزير السابق والقيادي السياسي المعتقل حاليًا في ما يُعرف بقضية «التآمر على أمن الدولة»، وهو ما يضع قضيته في إطار استهداف سياسي وقضائي ذي طابع عائلي، سمة معروفة في الأنظمة السلطوية.
ويتعرض إلياس الشواشي نفسه إلى حملة ممنهجة من الملاحقات القضائية؛ إذ يواجه عدة قضايا ذات طابع سياسي، وقد صدرت بحقه أحكام غيابية بعقوبات سالبة للحرية ثقيلة، بلغ مجموعها قرابة خمسين سنة سجن، استنادًا إلى تهم تتعلق بـ«الإرهاب» وبموجب المرسوم عدد 54 سيئ الذكر، اللذين يُستعملان كأدوات لتجريم حرية التعبير.
ولم يدعُ إلياس الشواشي يومًا إلى العنف، ولم يمارسه بأي شكل.
ويجدر التذكير كذلك بأن إلياس الشواشي كان ضحية اعتداء في مدينة ليون الفرنسية في جوان/يونيو 2025، في ظروف تثير بجدية شبهة محاولة ترهيب واستهداف مقصود على خلفية مواقفه السياسية، وقد تم إيداع شكاية لدى السلطات الفرنسية المختصة.
إن هذه السابقة بالغة الخطورة، إذ تؤكد أن المعارضين التونسيين باتوا عرضة لممارسات قمع عابرة للحدود، لا سيما في عدد من الدول العربية. كما أن خطر الترحيل أو التسليم إلى تونس يظل قائمًا وحقيقيًا، في ظل سياق إقليمي يتسم بوجود آليات تعاون أمني عربي، وعلى رأسها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
وقد تم اعتماد هذه الاتفاقية سنة 1998 تحت إشراف جامعة الدول العربية، ودخلت حيّز النفاذ سنة 1999، وصادقت عليها دول عربية عديدة، من بينها: الجزائر، البحرين، جزر القمر، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، عُمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، الصومال، السودان، سوريا، تونس، الإمارات العربية المتحدة، واليمن. وتنصّ هذه الاتفاقية على آليات موسّعة للتعاون الأمني والقضائي، بما في ذلك التسليم بين الدول.
وفي الممارسة العملية، يتمّ توظيف هذه الاتفاقية بشكل متكرر من قبل أنظمة سلطوية لاعتبار المعارضة السياسية، أو النقد العلني، أو الصحافة الاستقصائية، جرائم إرهابية، بما يوفّر غطاءً قانونيًا زائفًا للملاحقات القضائية وطلبات التسليم ذات الطابع السياسي.
ويتعزز هذا المسار بدور منظمة وزراء الداخلية العرب، التي تتخذ من تونس مقرًا لها، والتي تشكّل محورًا أساسيًا في التنسيق الأمني الإقليمي، من خلال تبادل المعلومات ونشرات التفتيش والإجراءات العابرة للحدود، دون ضمانات فعلية لاحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، أو تقييم جدي لمخاطر التعذيب أو الاحتجاز التعسفي أو المحاكمات غير العادلة في الدولة الطالبة.
وفي هذا السياق، فإن إيقاف أو احتجاز معارض تونسي في بلد عربي — على خلفية تهم إرهابية ذات طابع سياسي واضح — يخلق خطرًا فوريًا وجديًا بالتسليم إلى تونس، في انتهاك صريح للالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وعليه، لا يمكن فهم قضية إلياس الشواشي باعتبارها حادثًا معزولًا، بل جرس إنذار خطير حول تطبيع القمع العابر للحدود في الفضاء العربي.
السلطات القطرية مطالبة بتقديم توضيحات فورية بشأن هذا الحادث، الذي يثير تساؤلات جدية حول موقفها من الممارسات القمعية التي تستهدف معارضين تونسيين. ويبدو هذا الإجراء في تناقض واضح مع الصورة التي تؤكد قطر سعيها إلى ترسيخها كفضاء للتعددية والانفتاح، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بناشط سياسي مستقل، ليس حليفًا ولا محميًا ولا قابلًا للتوظيف من قبل السلطات القطرية.
كما أن ما حدث في الدوحة يشكّل اختبارًا حقيقيًا لمصداقية قناة الجزيرة. فوسيلة إعلام بُنيت منذ تأسيسها على وعود التعددية، والنقاش الحر، وفتح المجال العام العربي، لا يمكنها أن تلتزم الصمت حين يتم إيقاف أحد ضيوفها فور وصوله من قبل سلطات الدولة المضيفة، تحديدًا لمنعه من التعبير على شاشتها.
وتتحمّل قناة الجزيرة مسؤولية سياسية وأخلاقية ومهنية. إذ يتعيّن عليها المطالبة علنًا بتوضيحات، والتأكيد على رفضها لأي تدخل أمني في خياراتها التحريرية، والتذكير بأن حرية النقاش لا يجوز أن تتوقف عند أبواب المطارات.
وإلا فإن الجزيرة لن تعود قادرة على الادعاء بأنها تمثل فضاءً حرًا ومستقلًا للنقاش في العالم العربي.




شارك رأيك