لقد فكّرت كثيرا قبل توجهي إليكم بهذه الرسالة المفتوحة و قد قلت في نفسي لا يمكن لرئيس الدولة أن يهتم برسالة مواطن وهو الغارق في معالجة مشاكل كثيرة و مع ذلك و حتى أرتاح قررت أن أكتب ما أريد قوله عسى أن ينقل أحدهم هذه الرسالة إليكم.
أحمد الحباسي

لا أخفيكم أن وضع البلاد قد بات موشكا بالانفجار في كل لحظة وهذا تكشفه أحاديث الناس في كل مكان ويكشفه الوضع المتردي للاقتصاد وغلاء المعيشة إضافة طبعا إلى تصاعد نسبة البطالة و نسبة الإحباط واليأس والقلق ونسبة الجريمة.
لم يعد يهمني وضع الأحزاب ولا ألعاب السياسيين ولا علاقة بعض “الخونة” مع “الجهات الأجنبية المتآمرة” فما يهمني اليوم هو مصلحة تونس ومستقبلها وسمعتها وثقة المستثمرين في سياستها.
حين تم انتخابكم يا سيادة الرئيس كان هناك أمل جارف بأن الأمور ستتغير وأن السنوات العجاف التي تتالت بعد الثورة إلى حين وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي قد انتهت وذهبت غير مأسوف عليها إلى غير رجعة و كان الجميع فى انتظار جرعة أمل تعيد الحياة للوطن المنهك وخطاب جامع متسامح قابل بالخلاف ومستوعب لكل الوطنيين ونابذا لكل ما يمس من المؤسسات ودافعا للاستثمار غير أن الآمال سرعان ما قبرت في المهد.
قطار التغيير لم يتم وضعه على السكة
لقد ضرب البؤس الوطن ضربة قاتلة قاسية فانقلبت الأحلام إلى كوابيس والدولة إلى شيء غريب غير مفهوم والوضع الاجتماعي إلى ملف متأزم يحتوى كثيرا من أوكار النار الخافتة وحدث الصدام بين هيبة الدولة وحقوق الناس في التعبير والانتخاب والسفر والمبادرة والإدلاء بالرأي المخالف والمحكمة العادلة.
ربما سعت الدولة إلى تخفيض الاقتراض و التقليل في النفقات والبحث عن موارد داخلية تهربا من ضغوط بعض غرف التمويل الأجنبية وربما اتخذت بعض القرارات الحازمة في خصوص السياسة التونسية الرافضة للتدخل وربما أيضا لم نلاحظ بروز حالة من حالات تدخل العائلة فى الحكم أو استعمال الصفة والقرابة لنيل الحظوة وربما تقشفت الرئاسة بشكل ملحوظ وربما وقع إيقاف بعض الفاسدين ونقلة أو إعفاء بعض المسؤولين لكن الثابت أن قطار التغيير المطلوب بالكيفية المعقولة المطلوبة لم يتم وضعه على السكة بل هناك شكوك كثيرة حول وجود القطار نفسه أو قدرته على الوصول إلى المحطة يوما ما وهذا ما نسمعه من تبادل الكلام مع فئات الناس يوميا.
حين يرى الإنسان الوضع بمنتهى الأمانة و بالذات تلك الأكوام البشرية المترهلة التي تجوب الشوارع بحثا عن القوارير و ما تفرزه أكداس الزبالة بحثا عن مصدر لقمة عيش… وحين تقف بجانب تلك الأعداد من التلاميذ و الطلبة الغارقين في الوحل من مخدرات و صور خليعة و كلام بذيء و نزعة واضحة لسلوك نهج البلطجة والاعتداء على ملك الغير… وحين تفرّ الشركات الأجنبية تاركة أكواما من البطّالين دون تعويض… و حين تعلن الصناديق الاجتماعية عدم قدرتها على مواجهة حقوق المنخرطين… وحين تنفلت الأمور بحيث يتصاعد معدل الجريمة و يتم اغتيال الأخلاق وبر الوالدين… فالثابت ونحن نكتفي بهذه الأمثلة المختزلة أن التغيير المنشود لم يحصل بل لم يبدأ بعد و لذلك يبرز السؤال عن الأسباب والعوائق التي تجعل الوضعية تسوء والإحباط يعمّ و الغضب يتصاعد.
من الثابت سيدي الرئيس أنكم اخترتم الطريق غير المناسب في معالجة الأمور على عدة مستويات بل أنه لا يمكن المرور دون التذكير بالمرات العديدة التي تم فيها تغيير رؤساء الحكومات المعينين والذين فشلوا في معالجة الوضع على كل المستويات و بطبيعة الحال يبدو البحث عن المسؤول عن هذه التعيينات بسيطا وواضحا و معلوما… كما يجب التذكير أن هذا الفشل المتوارث قد أضاع على البلاد وقتا ثمينا مع ما ينتج عن ذلك من انخرام في الأوضاع وفي النفسيات وفي الطموحات.
إعادة الهدوء للنفوس و طمأنة الناس على مصير الحريات
لعل المعضلة اليوم لم تعد للأسف في كيفية معالجة الوضع الإقتصادي و كيفية التصدي للجريمة بمختلف أنواعها بل أن المعضلة اليوم قد انتقلت إلى مؤسسة اعتقد الجميع بعد الثورة أنها ستتحول إلى الحصن الحصين لحقوق المواطن وهي مؤسسة القضاء لكنها تحولت إلى مشكلة مستعصية الحل خاصة في ظل الأحكام الجزائية السالبة للحرية الصادرة ضد كثير من رجال الإعلام و من السياسيين الأحرار الملتزمين بالنظام الجمهوري وبالدولة المدنية.
القضاء اليوم يحتاج إلى مراجعة على كل المستويات كما أن إرساء المحكمة الدستورية و إعادة النظر في استقلالية المجلس الأعلى للقضاء مسألة ذات أهمية بالغة.
إن إطلاق عفو شامل عن كل مساجين الرأي الأحرار المتمسكين باستقلال البلاد قد بات ضرورة حيوية قصوى لإعادة الهدوء للنفوس و طمأنة الناس على مصير الحريات المكتسبة بالدماء و الدموع و هناك فرصة ذهبية لتصنعوا صفحة مضيئة في تاريخ تونس الحديث.
يكفى هذا الشعب المنهك مقاساة و دموعا و إحباطا و غضبا… يكفى هذا الشعب مأساة عشرية الخراب، هذا الشعب يستحق الحرية فى أبهى معانيها وشموليتها.
لقد انتخبتم لتكونوا رئيسا لكل التونسيين حافظا لحريتهم وكافلا لحرية التعبير التي تبقى في سموها وقدسيتها أغلى من كل العهود و الدساتير.
الآن حان وقت إعلان الهدنة بينكم و بين معارضيكم الأوفياء للوطن بعيداعن هؤلاء الذين توارثوا الخيانة وهتك دماء الأبرياء بل حان وقت العفو والمصالحة ونكران الذات لتضميد جراح وطن يستحق أن يكون فى الطليعة فى عدة مجالات فتحول الى ساحة مناكفة وحقد وتشفى و اختلاف.
* كاتب و ناشط سياسي.



شارك رأيك