عبد الوهاب الهاني ينقل مقالا للبروفيسور عياض بن عاشور حول الخلل السياسي في تونس

تمهيدا للمقال، دون الناشط السياسي عبد الوهاب الهاني ما يلي:

“المفكر والفقيه الدستوري والخبير الدولي في حقوق الإنسان البروفيسور العميد سي عياض بن عاشور: “منابع الخلل السياسي في تونس: تصوّر مزيّف للديمقراطية والسيادة”

“يمكن للخلل في الحياة السياسة أن يتخذ أشكالاً عديدة. والخلل الذي نعيشه حالياً في بلادنا هو ذاك الذي يتيح لسلطة سياسية بلا حدود أن تسجن معارضيها، تحت غطاء حجج وملاحقات تفتقر إلى أي عدالة أو حتى شرعية، وذلك من خلال قوانين جائرة، وقضاء مسخّر، وجهاز أمني بلا رادع. السؤال: كيف يمكن لهذا النظام أن يبرّر نفسه وأن يدوم في الحكم؟ الجواب: بفضل أكذوبة مغلّفة بتصوّر زائف للديمقراطية والسيادة.

“أجل، إنّه لا يستحضر من الديمقراطية، إلا الجانب الكمّي. زيادة على أن هذا الجانب باطل أصلاً بسبب انتخابات منحازة وباطلة شرعا، ومعارضة مقموعة، وشعب خيالي ومؤسطر، لا وجود له إلا في أذهان أولئك الذين يدّعون التخاطب باسمه وإرادته. إن الخدعة السحرية وراء هذا المشهد تكمن في التذرع بأن كل شيء ممكن إذا الشعب أراد. وبهذه الصيغة المغلوطة، يصبح هذا المبدأ خطيراً وفاقدا كل قيمة أخلاقية. إن “إرادة الشعب” هذه تفتح الباب واسعا لممارسة سلطة تفتقر إلى أية سلطة مضادة، وبالتالي إلى مجتمع سياسي يفتقر إلى الحرية. فالشعب المخدوع يصبح هو المُعدِم الأوّل لحريته. ولا توجد حياة سياسية جديرة بهذا الاسم دون الحرية.
“إن هذا التصوّر للديمقراطية ينسى، أو يتظاهر بالنسيان، أن الديمقراطية هي قبل كل شيء جودة السياسة؛ جودة شعب مستنير بالنقاش وليس شعباً مستلباً، شعبٌ تُضمن حقوقه من قِبل قضاة محايدين ونزهاء، ويُحكم في شؤونه طبقا لدستور مشروع (وليس دستوراً يتم إضفاء المشروعية عليه لاحقاً) وبقوانين معتدلة ومراقبة. هذا التناغم بين القانون والسلطة والسلطات المضادة والشعب يسمى: “دولة القانون”. ونحن بعيدون كل البعد عن ذلك. وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا للحفاظ على هذا النموذج واستعادته. إن شعار “الشعب يريد”، كما يُستعمل اليوم، ليس سوى سراب منبثّ إذا جُرّد من هذا البعد الجوهري. فحتى الشعب يجب أن يخضع لسلطة مضادة، وإلا ساد حكم الديكتاتورية.

“أما السيادة، فهي تنبع مباشرة من الإرادة العامة التي يتم التعبير عنها بشكل ملموس من خلال الاقتراع بالأغلبية والتمثيل الوطني. هذا هو مبدأ مشروعيّتها وقوّتها. ولكن، بدورها، لا يمكن أن تكون السيادة مطلقة؛ فهي لا تعطي الحق لإصدار قوانين استثنائية معادية للحريات، ولا في تحريف معنى القانون أو دوافعه، ولا في اعتقال ومعاقبة الأشخاص بأحكام سجنية ثقيلة دون أدلة ملموسة وبناءً على تفسير مغرض للقانون. إن القوة الأخلاقية للدولة تتجلى في اعتدال قوانينها، وخاصة قوانينها الجزائية. وحدها الدول الاستبدادية تلجأ إلى قانون الاستثناء والقمع الممنهج. عندما تجرأ دولة على اعتقال وإدانة شخصيات نضالية وطنية كبرى، مثل نجيب الشابي أو العياشي الهمامي أو شيماء عيسى، بتهمة ما يسمى “التّآمر على أمن الدولة”، وتصل الأحكام في هذه المحاكمة الصورية إلى 66 عاماً؛ وعندما تسجن وتدين رجل قانون وقاضٍ ومحامٍ أصيل ومحترم مثل أحمد صواب بخمس سنوات لمجرد حركة رمزية واحتجاج مواطني؛ وعندما تزجّ في السجن بالمدافعين عن العمل الإنساني والمهاجرين مثل سعدية مصباح؛ وعندما تدمّر الحياة الأسرية لشريفة الرياحي بفصلها بشكل لا إنساني عن طفلها، و… و…، و…فإن هذه الدولة لم تعد ذات سيادة. إنها لا تحكم وفقاً للعقل السياسي بل وفقاً لغريزة البقاء. إنها لا تستحق أي احترام. فالعشرية السوداء ليست هي التي يعتقدها البعض.

علاوة على ذلك، يتم التذرع بالسيادة أيضاً لمنع الدول الأجنبية أو المنظمات الدولية من التنديد بهذه السلوكيات المنتهكة للحريات. وهنا أيضاً يظهر تصور زائف للسيادة. فالسيادة يجب أن تحمي الدولة من التدخلات الأجنبية المخالفة للقانون الدولي، لكن ليس هدفها التستّر على السلوكيات غير المشروعة للدولة. يجب على الأخيرة أن تحاسب على أفعالها غير القانونية أمام المنابر الدولية، بناءً على مبدأ التضامن بين الدول وتعددية أطراف المنظمات الدولية. إن السيادة التي نمارسها هي مصدر للانقسام والظلم والاستبداد والعنف. وهي، فوق ذلك، سيادة تستجيب للطلب ما حالت مثلا دون تحويل تونس إلى محمية جزائرية.

“فكما نحن نرفض الديمقراطية الشعبوية، فإننا نرفض سيادة بلا حدود، خصوصا إذا صُنعت من أوهام.”

(المقال من صفحة سي عياض بن عاشور على فايسبوك)
Yadh Ben Achour”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.