بقلم فرحات عثمان
يحتفل المسيحيون بميلاد المسيح هذا اليوم، وقد بدأنا نرى البعض بتونس، رغم الانتقادات الموجهة لهم، يشاركونهم الاحتفال باقتناء شجرة الميلاد مثلا التي بدأنا نراها تغزو المحلات التجارية، تماما كما هي الحال بالبلاد الغربية. فهل هذا من باب التقليد الغبي أم يدل عن حسن إسلام الناس بتونس؟
لا فرق بين المسيح وموسى:
لئن كان عيد ميلاد المسيح من أهم الاحتفالا المسيحية، فقد غدا الاحتفال به عادة شعبية ومهرجانا تجاريا؛ لهذا نرى الدول التي هي رسميا لائكية تحتفل به ولا تنكر جميع مظاهره، بما فيها الطقوسية.
ونحن ما دمنا، في الإسلام، نحتفل بالمولد النبوي الشريف، أي ميلاد الرسول، فلا مانع من الاحتفال أيضا بميلاد المسيح؛ بل من المفروض الاحتفاء به باسم الإسلام أيضا، لأن ديننا يعترف بنبوة المسيح، وبأنه لم يمت؛ بل وبصفته كلمة الله. ولقد احتفل الرسول بسنة نبي اليهودية في عيد الأضحى، فكيف لا نحي اليوم وعلى هديه ميلاد يسوع؟ خاصة ونحن نعلم أن الاحتفال المسيحي هو بموت وإحياء الله للمسيح، كما ورد في القرآن، وأيضا كما هي الحال في الاحتفاء بمولد الرسول الكريم الذي يتم في يوم وفاته.
لذا، ما دام الإسلام يُحي سنة موسي ولا يرفض البعض من عادات اليهودية، التي أصبحت إسلامية، مثل عاشوراء وعيد الأضحي، لا مانع من إحياء عيد ميلاد المسيح؛ فكيف نرفض أعياد المسيحية ولم يفرّق الدين الحنيف بين عيسى وعيسي؟ بل إن الإسلام رفع من قدر النصارى إذ قال الله فيهم في سورة المائدة، الآية 82 : «لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون». ويقول فيهم أيضا في سورة الحديد، الآية 27 : «وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله».
المسيح كلمة الله و ابن مريم العذراء:
إنه لا فرق بين نبي المسيحيين ونبي اليهود، وبما الاحتفال بميلاده شائع عند أهله الذين حيّا الله أتقياءهم، فلا من مانع أن يحتفل المسلم بميلاد كلمته. فلئن لم يذكر القرآن عيسى بنفس الوتيرة التي ذكر بها موسى، حيث لا تخلو تقريبا آية من ذكر نبي اليهودية، إلا أننا نجد لعيسى المسيح ما ليس لموسى من قدر، ومنها صفته كممسوح (وهو المعنى الصحيح للمسيح)، أي مسحه من طرف الله بالبركة مطهرا إياه من الذنوب. ولقد كرّر الله كلمة المسيح احدى عشرة، مرة علاوة على ذكره لاسم عيسى، مبيّنا بما ليس فيه شك أنه من روحه، كلمته التي نفخها في أمه، مريم العذراء، الروح القدس. فهل من عيب الاحتفاء بمثل هذا النبي في دينٍ لا ينكر أي نبيّ من أنبياء الله؟
فكيف يُعلى الله من قدره ومن قد أمه، مسمّيا سورة كاملة باسمها، مؤكدا على عذريتها وعلى إعلائها بين النساء، ونرفض نحن اليوم الاحتفال بعيد ميلاده، أي الدليل على إحيائه من طرف الله ورفعه إليه؟
يقول الله في سورة آل عمران، الآية 42: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين»؛ويضيف بالآية 45: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين». ويقول الله أيضا في سورة البقرة : « وآتينا عيسى ابن مريم البيّنات وأيدناه بروح القدس» (الآيتان 87 و253).
إن كل ما سبق لبييّن بوضوح التقارب الكبير الموجود بين الإسلام والمسيحية، هذا الذي يسعى البعض لرفضه لتوسيع الهوة بين المسلمين والمسيحيين، بينما ليس هناك أي اختلاف جذري بين الإسلام الصحيح والكاثلوكية، أي المسيحية الأولى، لا ما آلت إليه الحال مع البرتستانتية التي تمثل الردة اليهودية في المسيحية.
هل سنرى إذن في الأعياد القادمة بتونس تجذّر الاحتفال بميلاد المسيح شعبيا وفي بيوتنا، فنجد فيها مثلا عادة شجرة الميلاد كما رأينا صحن العصيدة في ديار المسيحيين؛ وقد كانت الحال هذه السنة عند البعض من السفراء الغرب بتونس؟
شارك رأيك