صورة من الارشيف.
من الجزائر عمار قردود
فجر إيف أوبان ميسيريار، السفير الفرنسي المخضرم، قنبلة ديبلوماسية من العيار الثقيل، حينما كشف النقاب عن مخطط أمريكي لنقل السيناريو السوري إلى دول مغاربية بدأته واشنطن بإشعال بؤر توتر طائفي وعرقي في المغرب والجزائر.
وأوضحت تقارير إعلامية فرنسية، أن الديبلوماسي المذكور الذي سبق أن عمل سفيرًا لفرنسا في العراق وتونس، لم يتردد في القول بأن الجهات الدولية التي تحرك خيوط مواجهات عسكرية وشيكة في الشرق الأوسط، بدأت تتحرك لرسم حدود داخلية في أكبر دولتين مغاربيتين في إشارة إلى المغرب والجزائر.
وأضاف المصدر ذاته نقلاً عن الديبلوماسي المتخصص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، صاحب كتاب “العالم العربي.. التغيير الكبير”، أن المخطط “الجهنمي” يهدف في مرحلة أولى، إلى نقل النموذجين المصري والسعودي إلى المنطقة، وذلك بالدفع في اتجاه إرساء أنظمة ديكتاتورية عسكرية في الجزائر و”دينية” في المغرب لنسف كل معالم الانتقال الديمقراطي.
وتوقع ميسيريار فشل مخطط تفتيت دول الاتحاد المغاربي، لأن شعوب المنطقة سترفض تكرار ما وقع في سوريا والعراق، وأن بنية الدول المستهدفة تمنحها مناعة ضد ذلك، خاصة تونس التي فشل الإرهاب الأعمى في أن يزعزع أمنها و إستقرارها.
و بحسب ذات المصادر فإن السفير الفرنسي ركز كثيرًا على الجزائر و المغرب بإعتبارهما البلدين الوحيدين من منطقة المغرب العربي الذين نجيا من موجة “الربيع العربي” و التي طالت تونس و ليبيا و دون إحتساب موريتانيا،و لكن بحسب الخبراء و المتتبعين لـــ”أنباء تونس” فإن الديبلوماسي الفرنسي يكون قد لمّح إلى تونس التي كانت أول بلد عربي و مغاربي تمسه ثورات “الربيع العربي” في ديسمبر 2010 و لكن و مع ذلك لا يزال هذا البلد العربي الصغير عُرضة للمؤامرات و ميسيريار لم يستثنيه عندما قال أن المخطط الأمريكي يهدف لنقل السيناريو السوري إلى الدول المغاربية و ربما حتى موريتانيا ستكون معنية بالتقسيم.
واشنطن ترشح 18 دولة عربية للتقسيم
هذا و في منتصف ديسمبر 2013، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” وثيقة سياسية ادَّعت أنها جمعت معلوماتها من خبراء ومؤرخين ومختصّين في شؤون الشرق الأوسط. وكان من الطبيعي أن تثير تلك الوثيقة اهتمام زعماء المنطقة، خصوصاً أنها تحدثت عن “الربيع العربي” كمدخل لتفكيك الشرق الأوسط إلى دويلات إثنية وطائفية وعشائرية.
وقالت الصحيفة إن بلوغ هذه الغاية سيتم عبر سلسلة نزاعات محلية وإقليمية يؤدي عنفها، في النهاية، إلى التخلص من حدود سنة 1916. أي الحدود التي رسمها الديبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو ونظيره البريطاني مارك سايكس. لهذا، حملت تلك الاتفاقية اسمَيهما كشهادة على سيناريو خضع لرغبة المنتصر في الحرب العالمية الأولى، لا لرغبة سكان البلدان التي رسما حدودها المقتطعة من الإمبراطورية العثمانية المهزومة.
وتدّعي “نيويورك تايمز” أن المشرفين على مراكز القرار بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة لا يتحدثون عن تقسيم دول المنطقة، بل عن تصحيح خطوط اتفاقية سايكس – بيكو. وهم يعترفون، بطريقة غير مباشرة، أن الحدود السابقة لم تصمد أكثر من مئة سنة أمام السيل الجارف الذي زاده انهيار المنظومة الاشتراكية زخماً واندفاعاً.
وكتب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، كتاباً تحت عنوان “حرب الضرورة أم حرب الاختيار؟”، وفيه يذكر أن قرار الرئيس جورج بوش الابن احتلال العراق سنة 2003 كان بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب المقاومة الإسلامية، وما رافقها من تأثيرات عميقة في سورية ولبنان وإيران ومختلف دول الجوار.
وتوقع هاس في كتابه تفكك العراق إلى ثلاث دويلات، مع هيمنة إيرانية مباشرة على محافظات الجنوب، وانفصال منطقة كردستان بعد إعلان استقلالها. أما الشمال الغربي فيبقى من حصة “داعش” والمتشددين السنّة الطامحين إلى إنشاء دولة سنيّة مكوّنة من محافظات غرب العراق، بما فيها الموصل الممتدة إلى مدن شرق سورية.
والثابت أن الحديث عن إعادة تقسيم الشرق الأوسط، بعد صوغ سايكس – بيكو جديد، ظهر عقب الغزو الأميركي العراق سنة 2003. ثم تكرر هذا الحديث إثر اندلاع ثورات «الربيع العربي».
وربما كانت وزيرة خارجية أميركا السابقة كونداليزا رايس أول مَنْ استخدم تعبير «الشرق الأوسط الكبير». وكان ذلك عقب صدور أول مخطط مكتوب لتقسيم المنطقة وضعه الباحث الأميركي – البريطاني برنارد لويس بتكليف من وزارة الدفاع الأميركية ومستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر زبغنيو بريجنسكي.
ونُقِل عن بريجنسكي قوله إن المطلوب إشعال حرب خليجية ثانية، تقوم على هامش حرب العراق – إيران، تستطيع الولايات المتحدة توظيفها لتصحيح حدود اتفاقية سايكس – بيكو، وتنفيذ خطة برنارد لويس القاضية بتقسيم 18 دولة عربية إلى مجموعة دويلات صغيرة.
ومن بين الوثائق التي تحدثت عن هذا المشروع وثيقة نشرتها مجلة «القوات المسلحة» تحت عنوان: «حدود الدم» وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز سنة 2006. ومنذ ذلك الحين وحدود الدول العربية تُرسَم بدماء آلاف الضحايا الأبرياء، من أجل تمرير مشروع مريب يسمح لإسرائيل بأن تعيش وسط أربعين دولة معادية من دون أن توقع اتفاقية سلام
المغرب العربي من منطقة مهمشة من أمريكا إلى منطقة مقسمة؟
و اللافت أن منطقة المغربي العربي لم تشكل أي اهتمام في الأجندة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يسفر لماذا تكون هامشية دائماً، حيث يتم تعيين سفراء من الدرجة الثانية في دول المنطقة بعضهم من الذين حصلوا على المنصب جراء تبرعات بمئات الآلاف من الدولارات خلال الحملات الانتخابية.
ويستمر ملف المغربي العربي من اختصاص وزارة الخارجية أكثر من أي مؤسسة أخرى، وما يهمها في المنطقة هو المحافظة على عدم سقوط تونس في الفوضى السياسية جراء ما يجري في ليبيا، ودعم التنمية في موريتانيا والمحافظة على توازن بين المغرب والجزائر خاصة في الميزان العسكري وملف الصحراء الغربية.
في الوقت ذاته، لن يشكل موضوع الإرهاب أهمية كبيرة رغم تأكيد الرئيس دونالد ترامب على محاربة داعش، ويعود ذلك الى نوعية الإرهاب في الساحل الذي تتولى محاربته فرنسا أساساً، بينما الولايات المتحدة أقامت قاعدة عسكرية في السنغال. فمن جهة المغرب بعيد جغرافياً ولا يمكنه نقل قوات عسكرية، بينما الجزائر ترفض التعاون خارج حدودها بقوات عسكرية.
ويراهن البنتاغون على اتحاد دول الساحل لملاحقة الإرهابيين، أما إرهاب “بوكو حرم” فبعيد جغرافياً عن منطقة المغرب العربي. وحول نزاع الصحراء الغربية، فسيبقى نزاعاً ثانوياً حتى في وزارة الخارجية الأمريكية ولن يصل الى البيت الأبيض، وفق مصادر عليمة بالسياسة الخارجية الأمريكية.
وحضرت منطقة المغرب العربي في ملف الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون الذي أرادت إدارته في التسعينات إيجاد حل لنزاع الصحراء، ولهذا تولى وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر مهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وقتها في هذا النزاع، ثم رهانها على خلق منطقة للتبادل الحرب مع المغرب وتونس والجزائر، ولم تنجح المبادرتان معاً. وخلال رئاسة الجمهوري جورج بوش الابن، اهتم بمنطقة المغرب العربي ضمن مشروع “الشرق الكبير”، حيث احتضنت العاصمة الرباط مؤتمراً دولياً سنة 2004 حول هذا المشروع الذي لم يكتب له النجاح. وغابت المنطقة في مشاريع الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما.
ومنذ تأسيس الولايات المتحدة، زار رئيس واحد المنطقة وبالضبط المغرب، ويتعلق الأمر بإيزنهاور في نهاية الخمسينيات، بينما لم يزرها أي من الرؤساء اللاحقين. ومن ضمن الأمثلة، فقد زار الرئيس السابق أوباما إفريقيا مرتين، والعالم العربي والشرق الأوسط ثلاث مرات، ولكنه لم يزر نهائياً أي بلد في المغرب العربي. و نشير إلى أن ترامب زار المغرب في التسعينات كسائح فقط و قبل أن يكون رئيسًا، واستقر في طنجة للمشاركة في عيد ميلاد الثري فوربس.
شارك رأيك