لاتزال قصة اكبر عملية احتيال يتعرض لها بنك باستخدام “السحر الأسود” حاضرة في الاذهان بعد بعد اكثر من عشرين سنة على وقوعها حيث كان ضحيتها بنك دبي الإسلامي في الإمارات وخسر فيها مبلغ 242 مليون دولار(حوالي 500مليون دينار تونسي) في أوت 1995.
المالي “فوتانغا باباني سيسوكو” صاحب الفعلة يخرج عن صمته بعد كل هذه المدة حيث التقته “بي بي سي” في مسقط رأسه و أكدت أنه مازال حراً طليقاً ويعيش في مالي دون أن يدخل السجن ليوم واحد، على خلفية سرقة ملايين الدولارات .
بداية قصة الاحتيال، بدأت حينما ذهب لطلب قرض من بنك دبي الإسلامي لشراء سيارة، وكان الخطأ الذي ارتكبه مدير البنك هو قبول دعوته على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض، بحسب ما أورد التقرير الذي نشر امس الأحد 18 2018.
ويشير التقرير إلى أنه أثناء العشاء بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مدهش، وهو امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه “توليد الأموال”، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا صديقه الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.
لم ينتظر مدير البنك طويلاً حتى ذهب مجدداً إلى منزل سيسوكو ومعه أمواله، وقابله الرجل مندفعاً من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن “الجن” هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب أيوب على الفور وترك الأموال في الغرفة المسحورة وظل ينتظر.
وروى أيوب ما حدث معه وقال: “رأيت ضوءً ودخانا وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت”. كانت المفاجأة أن الأموال “توالدت” وتضاعفت كما وعده الساحر. وهنا ظهر السرور على وجه أيوب، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى، بحسب الصحفية.
ويصف ألان فاين، محقق من ميامي، استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلاً “أيوب آمن بأن ما حدث كان سحراً أسوداً، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال”. ويوضح أنه بعد ذلك أرسل أموالاً إلى سيسوكو، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليها أضعافاً مضاعفة ويستفيد منها.
وبحسب أوراق القضية فقد أجرى أيوب 183 تحويلاً مالياً إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998. كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان أيوب يتولى تسوية هذه الأموال عوضا عنه.
وفي عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية. حينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريراً عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.
وسعت حكومة دبي حينها لتهدئة الأمور، وقالت إنها “مشكلة صغيرة ولن تتسبب في أية خسائر مالية سواء في استثمارات البنك أو حسابات المودعين”. لكن هذا لم يكن صحيحاً، بحسب ما ذكره التقرير.
يقول فاين عن حقيقة ما حدث: “مالكو البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جداً. ولم تكفي أموال التأمينات لتغطيتها. وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا”. وفي خضم هذه الأزمة كان فوتانغا سيسوكو بعيداً جداً ينعم بأموال البنك.
وبحسب التقرير، فقد وضع مخططاً من البداية يقضي بعدم التواجد في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيداً عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج.
فبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه سيسوكو في نوفمبر 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر بكثير من فتح حساب.
وقال ألان فاين بأنه دخل إلى مقر سيتي بنك يوماً ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها.
ودفع سيسوكو أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته في تحويل الأموال من دبي إلى نيويورك.
ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة “لعبت دوراً في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة”.
في الواقع، وفقاً للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، “خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب”. وقد تم إسقاط القضية لاحقاً، بحسب التقرير.
ومع تدفق الأموال عليه كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا. واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز هوكر-سيديلي 125 وطائرتين عتيقتين من بوينغ 727 إس . وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران “أير دابيا”، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي.وعلى الرغم من حملة العلاقات العامة، عندما جاءت قضية سيسوكو إلى المحكمة الأمريكية تجاهل نصيحة محاميه وأقر بالذنب.
وكان الحكم بالسجن لمدة 43 يوماً وغرامة قدرها 250 ألف دولار يدفعها بنك دبي الإسلامي بطبيعة الحال، حتى وإن كان لا يعرف أنه سيدفعها.
وبعد أن قضى فقط نصف هذه المدة، حصل على إفراج مبكر مقابل دفع مليون دولار إلى ملجأ للمشردين. وكان من المفترض أن يقضي بقية العقوبة رهن الإقامة الجبرية في مالي. وبدلا من ذلك عاد إلى وطنه كبطل.
وخلال هذه الفترة كانت الحقائق بدأت تتكشف في الإمارات وبدأ عملاء بنك دبي الإسلامي يدركون أن شيئاً ما خطأ قد وقع. وأصبح مدير البنك أيوب عصبياً، ولم يعد سيسوكو يرد على اتصالاته.
وفي النهاية لم يتحمل أيوب الضغوط واعترف لأحد زملائه بما حدث معه وتحويله أموالاً للخارج، وعندما سأله زميله عن المبالغ التي حولها لم يتجرأ على أن ينطقها وكتبها على ورقة، وكانت المفاجأة أنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل (242 مليون دولار)، بحسب ما يشير التقرير.
وفي النهاية تمت إدانته بالاحتيال المالي وصدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات، وكان هناك شائعات بإجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود.
أما سيسوكو فلم يخضع للعدالة قط. وحكمت عليه محكمة في دبي بالسجن غيابياً ثلاث سنوات للاحتيال المالي وممارسة السحر الأسود. وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله ومازال مطلوبا للعدالة.
وهناك محاضر لمحاكمات أخرى مطلوب فيها سيسوكو للعدالة من بينها واحدة في باريس. وادعى محاميه أنه كان كبش فداء لأفعال مدير بنك دبي الإسلامي، بينما تم نقل أموال البنك إلى مكان آخر، لكن المحكمة لم تقتنع بهذا وأدانته بغسيل الأموال. ومازال بنك دبي الإسلامي يلاحقه قضائياً من خلال المحاكم دون جدوى.
وسألت بريجيت سيسوكو عن حقيقة قصة الأموال التي حصل عليها من بنك دبي الإسلامي، وبلغت 242 مليون دولار، قائلاً: “سيدتي، إنها 242 مليون دولار، إنها قصة مجنونة قليلاً. مسؤولو البنك يجب أن يشرحوا كيف ضاعت كل هذه الأموال. أعني 242 مليون دولار”.
وأضاف مخاطبا الصحفية: “اسمعي، كيف يمكن نقل هذه الأموال من البنك، ما الطريقة التي تم بها هذا؟ هذه هي المشكلة. الأمر لا يتعلق بهذا الرجل وحده (أيوب) الذي أعطى أوامر النقل. فعندما ينقل بنك أموالا لا يتعلق الأمر بشخص واحد.بل الكثير من الناس يتدخلون في العملية”.
وقالت له “أيوب أقر في المحكمة أنك أثرت فيه بالسحر”. واعترف: “رأيت والتقيت الرجل الذي تتحدثين عنه”، لكنه نفى السرقة.
وأضاف: “الاتصال الوحيد معه (أيوب) عندما ذهبت لشراء سيارة. اشتراها البنك من أجلي وأعدت دفع قيمة القرض، وكانت سيارة يابانية الصنع”. وسألته (الصحفية): “هل يسيطر على الناس باستخدام السحر الأسود؟”.
فرد سيسوكو: “سيدتي إذا امتلك شخص هذه القوة فلماذا يضطر للعمل؟ فإذا كان معك هذه القوة يمكنك الجلوس مكانك وسرقة كل البنوك في العالم. في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكل مكان أخر. حتى هنا في أفريقيا. يمكن سرقة أي بنك تريدين”.
والمفاجأة الكبرى ان هذا المتحيل رجع فقير كما كان .
ونجح سيسوكو في تحدي الإنتربول، وقضى 20 عاماً هارباً حتى لو كان قد بدد كل أمواله ولم يعد باستطاعته مغادرة مالي. وكذلك لم يدن ولم يقض يوماً واحداً في السجن بسبب سرقة البنك الإماراتي باستخدام السحر الأسود، بحسب ما يذكر التقرير.
شارك رأيك