بقلم حمادي بن جاء بالله
عفوًا سي بوبكر … السيّد البشروش لم يكن في يوم ما عميدا شرْعيًا لكلّية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس …
كلّ ما في الأمر أنه عندما عُيّن السيد عمر الشاذلي وزيرا للتربية والتعليم العالي عام 1985/1986 واتخذ إجراءات فوضوية في الشأن الجامعي وخاصّة بكلّية 9 أفريل معقل العلم والعمل النقابي، انتهز هذا السيّد الفرصة ليصبح عميدا منصّبا ويبلغ أمنية ما كان له أن يبلغها بطريقة شريفة….وهو موقف يندرج في مجرى تشفي ”النظام القائم” آنذاك من تلك الكلّية التي كانت أوّل كلّية يُنتخب على رأسها عميد غير دستوري ممّا أثار حفيظة الحزب الحاكم …عندها استقال العميد المنتخب واستقلت أنا شخصيا من منصب العميد المساعد، ولم يجد الوزير من يُجَاريه في إجراءاته التعسّفية إلاّ هذا السيد …
وقد قاطعه جميع زملائه وترفعوا حتى عن مجرّد تحيّته أو التعامل معه بأيّ شكل من الأشكال واعتبروه ”خائنا ” من عملاء الحزب الدستوري الذي مُنيَ بأوّل هزيمة انتخابية منذ الاستقلال …ولمّا عُزل السيد عمر الشاذلي بإعانة من السيد رشيد صفر الوزير الأول آنذاك حفظه الله …خُلِع هو من العِمَادة المزيفة …فبقي الجُرْح نازفا في أعماقه حتى اليوم… وقد لاحظتُ ذلك في سلوكه معي شخصيا يوم انضم بتدْبيرٍ من السيد عبد الجليل التميمي-باعتباره صاحب المحل الذي كنا نجتمع فيه – إلى لجنة اقترح بعثها الاخ مصطفى كمال النابلي مع ثلة من الوطنين وتكفلتْ بالنظر في أوضاع الوطن …وقد تشرفتُ بصياغة تقرير هذه اللجنة ..وهو التقرير الذي نشر بتاريخ 21 جوان 2014 بعنوان // “كتاب أبيض في حاضر تونس ومستقبلها” // …والحق أنّ الأغلبية الساحقة أحجمت -عن مضض- عن إحراج صاحب المحل ولم نُولِ المسألة أيّ اهتمام .و قد عاينْتُ مرة أخرى بعد حوالي ثلاثين حجة أنّه لم ينسَ هزائم ماضيه .وفي هذا الاطار يندرج –في تقديري – خروجه من غياهب النسيان وتقوّلِه على الأستاذ خالد عبيد…وعلى نضالات الوطن ..وتضحيات زعماء الأمّة
لذلك حُقَّ لي أوّلا أن أتهمه بانتحال صفة عميد …وكم وددتُ أن لا يُغالط الأخ بوبكر بن عكاشة .
كما حُق لي ثانيا أن أتساءل عن أسباب هذا الانقلاب …فبعد أن خدم ”السلطة ” في مواجهتها لزملائه، ها هو اليوم يتهمها بما عليه أن يخجل منه هو وأمثاله فتونس مستقلة ولو كره الحاقدون على الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله واستقلالها الشامل يتسع بعمل أبنائها ويتدعم بعرق جبينهم …ويحق لي ثالثا أن أذهب إلى أنّ التاريخ علم لا يرقى إليه إلاّ من كدّ وجدّ… ومن مفارقاته أنّه ليس من شيء أكثر تبدّلا من الماضي منْ حيث معانيه ومَا من شيء أكثر ثباتا من الماضي ذاته لكن من جهة وقائعه…وهو بالتالي يطالبنا بإعادة قراءته على الدوام، غير أنّه ينبغي ألاّ نخلط بين تأويل الوقائع تلمّسًا لِمَا يمكن أن يكون لها من المعاني الإنسانية التاريخية وبين الوقائع التي شهت لها دماء زكية وعذابات عاشها شعبنا بصبر الأنبياء .. وما أعرفه أنّ السيد المذكور اشتغل خاصّة على القرن السابع عشر وخاصّة على الأولياء والصالحين //السيّدة المنوبية …بن عروس .الخ …ولكن دون تكوين معمّق في الانطروبولوجيا وعلم الاجتماع والاقتصاد السياسي وعلم النفس… ولم يشتغل على تاريخ تونس المعاصر …مثل الزملاء حمادي الهادي الشريف وعلي المحجوبي و الهادي التيمومي أو المرحومين البشير التليلي وعبد السلام بن حميدة الخ …فمن هو ”المؤرّخ المحتال ” يا تُرى ؟ أهْمس لزميلي الكريم خالد عبيد : جازى الله صبرك خيرا عميمًا … وربّي يهدي …
*أستاذ الفلسفة والإبستمولوجيا بالجامعة التونسية
شارك رأيك