أعلن وزير الشؤون المحلية مؤخرا عن انشاء 61 بلدية جديدة في اطارخطة تعميم نظام البلديات على كامل تراب الجمهورية .
وعندما تضاف هذه البلديات الجديدة الى ال289 بلدية الموجودة حاليا يصبح العدد الجملي لهذا الصنف من الجماعات المحلية 350 بلدية بالتمام و الكمال.
من المواطن و الى المواطن
مثل هذا الاجراء انما يبعث على الارتياح في نفس كل مواطن يؤمن باهمية الدور الذي تظطلع به البلدية وما له من انعكاس مباشر على نوعية حياته اليومية باختلاف واجهاتها.
فالبلدية التي هي من المواطن والى المواطن تعد النواة الاولى والاساسية لتكريس الممارسة الديمقراطية فهي اقرب خلية تلتصق بالمواطن و يلتصق بها.
انها الفضاء السياسي الذي يفرز تشكيلة المجلس البلدي اامكلف بالسهر على حظوظ الادارة البلدية على اثر الانتخابات التي ترتكز على التنافس بين القائمات المرشحة من قيل الاحزاب السياسية مع بعض الاستثناءات من حيث وجود- في العادة- بعض القائمات المستقلة و الخارجة منطقيا عن سيطرة الاحزاب و عن الولاء لها.
وهذه القائمات تتضمن كلها اسماء المترشحين ممن ينتمون للمنطقة البلدية بالسكن او بالعمل – بريئي الذمة من كل اصناف الضرائب و الاداءات ولا سيما الاداءات البلدية – قابلين لمبدا العمل التطوعي لان النشاط صلب البلدية هو نشاط تطوعي مجاني لا يدر على صاحبه اي نفع مادي بصفة مباشرة او غير مباشرة باستثناء بعض البلديات الكبرى التي تقتضي طبيعة العمل بها التفرغ الكامل لرئيس البلدية.
واجب الالتزام
وفي هذا الاطار تكمن احدى الاشكاليات التي يتصف بها العمل البلدي في بلادنا منذ الاستقلال ناهيك وان المشهد السياسي ظل خاضعا نسبيا – والى غاية جانفي 2011- لكلكل الحزب الواحد.
فما ان يقع تنصيب المجلس البلدي وانتخاب مكتبه وتكوين اللجان البلدية حتى يبدا التراجع وتتقلص جذوة الحماس وينحصر العمل البلدي في مجهود الموظفين باستثناء النزر القليل من المستشارين المتشبثين بالتزامهم تجاه ناخبيهم و تجاه الاحزاب التي رشحتهم.
و الغريب في الامر-وهذا حسب التجربة التي عشناها طيلة المواعيد الانتخابية البلدية السابقة- ان الاحزاب السياسية تنتهي مهامها عند هذا الحد و ينقطع حبل الوصال بينها وبين ممثليها في المجالس البلدية فلا تفاعل بين الطرفين ولا متابعة ولا مشورة ولا اقتراح.
والغريب في الامر ايضا- وهذا ما يجهله اغلب المواطنين-ان الاقبال من قبلهم على العمل صلب اللجان البلدية يبقى ضعيفا كي لا نقول منعدما في حين ان هذه اللجان تبقى مفتوحة امام كل مواطن يانس في نفسه القدرة على الاضافة وعلى المساعدة في تجسيم البرامج والمشاريع و ذلك وفق منطوق الفصل 17 من القانون الاساسي للبلديات الذي يؤكد انه “يمكن ان يدعى للمشاركة في اعمال اللجان وذلك على وجه الاستشارة 1 الموظفون و اعوان الدولة و المؤسسات العمومية المباشرون لوظائفهم داخل المنطقة البلدية و ذ وو الخبرة ممن لهم اراء يمكن طلبها 2 المتساكنون و اصيلو البلدية الذين يمكن لهم ان يفيدوا برايهم بحكم نشاطهم او معلوماتهم”.
فضاء اداري و تنموي
و الى جانب هذا البعد السياسي الذي تكتسيه البلدية فانها تشكل ايضا الفضاء الاداري الذي يلتجا اليه المواطن للحصول على العديد من الخدمات انطلاقا من الحالة المدنية وصولا الى التراخيص المختلفة.
ثم ان البلدية هي الفضاء التنموي الذي منه تنطلق المشاريع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الموجهة لخدمة المواطن و لتحسين نوعية الحياة و لا سيما من حيث العناية بالبيئة و حماية المحيط من شتى اصناف التلوث و التدنيس.
اعتبارا لكل ذلك وجب ان تكون البلدية قريبة من المواطن و المواطن قريبا من البلدية في علاقة التكامل البناء و الجدل الايجابى فيهما من الحصول على الحقوق الشيء الكثير و القيام بالواجب الشيء الاكثر.
و اذ تعترض بعض هيئات المجتمع المدني على ذلك الاجراء الذي اقدمت عليه وزارة الشؤون المحلية بخصوص تعميم النظام البلدي فانه-بعيدا عن التجاذبات السياسية التي تترتب عنه- يمكن القول ان الترفيع في عدد البلديات سابق لاوانه امام عديد الاولويات المطروحة على مجتمعنا في هذا الظرف من الانتقال السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ناهيك وان الفصل 8 من القانون السابق الذكر يسمح بتوسيع المجال البلدي عن طريق احداث الدوائر صلب البلدية الواحدة وذلك تجنبا على الاقل للتكاليف المالية التي يتطلبها احداث البلدية الواحدة اضافة الى الموارد البشرية اللازمة لضمان الخدمات المطلوبة و الحال ان البلديات الحالية باختلاف اصنافها و انتشارها الجغرافي تبقى في امس الحاجة الى تلك الامكانيات بشريا و ماديا حتى تتمكن من مواكبة نسق التطور الذي تعيش عليه مدننا و الذي تلطخ بعديد الشوائب منذ جانفي 2011 بسبب تخلي البلديات عن واجباتها و بالخصوص في مجال النظافة و العناية بالبيئة و في قطاع البنية التحتية التي اهترات بشكل غير مسبوق في تاريخ العمل البلدي في بلادنا.
تقديم الاهم على المهم
لا نقول هذا من باب الرفض لانشاء البلديات الجديدة و توسيع المجال البلدي ليشمل كل شبر من تراب الجمهورية و لكن من قبيل الحرص على تقديم “الاهم على المهم”.
و الاهم هنا هو تلك الثقافة المدنية التي يجب ان تترسخ في مجتمعنا حتى يكون المواطن واعيا بروح تلك العلاقة الجدلية بينه وبين الهيكل البلدي.
ففي باب الواجبات ينبغي الدفع الى اعتماد السلوكيات الحضارية الراقية التي تتميز بها علينا المجتمعات المتقدمة من حيث التعامل مع الملك العمومي الجماعي نظافة و صيانة و حماية من كل تدنيس او تخريب و كذلك من حيث الاقدام على دفع الاداء البلدي بكامل التلقائية دون انتظار اي همز او تهديد من اي كان
و في باب الحقوق وجب على المواطن اليوم- و نحن نعيش على وقع مسار ديمقراطي ناشئ- ان يكون متابعا للعمل البلدي ليكون مستجيبا لطموحاته و تطلعاته وفقا للبرامج المضبوطة التي له كامل الحق في المشاركة في بلورتها و تحديد ابوابها عن طريق اسهاماته في اعمال اللجان وذلك وفق ما يخوله له الفصل 17 من القانون الاساسي للبلديات السابق الذكر.
واجب الاطلاع و المتابعة
و هذه المتابعة اللصيقة يخولها له الفصل 43 من القانون المذكور الذي يؤكد ان”لكل ساكن بالمنطقة البلدية او دافع للاداء بها الحق في طلب الاطلاع بمقر البلدية على دفتر مداولات المجلس البلدي و دفتر القرارات البلدية وحساباتها المالية.
والتاسيس لهذه الثقافة المدنية الحضارية هو لعمري رسالة نبيلة ينبغي ان تضطلع بها الاحزاب السياسية و كافة مكونات المجتمع المدني من اجل احداث النقلة النوعية في سلوكياتنا و التربية على احترام القانون الضابط للحقوق و المحدد للواجبات باعتباره الفيصل بين الجميع.
و الجميع مدعو الى التعرف على تفاصيل القانون الاساسي للبلديات و على طرق تسيير المجلس البلدي الذي يعقد وجوبا 4 دورات عادية في السنة تسبقها جلسات تمهيدية شهرا على الاقل قبل انعقاد الدورة العادية.
و هذه الجلسات التمهيدية “يدعى اليها متساكنو المنطقة البلدية بوسائل الاعلام المتاحة لسماع مداخلاتهم في المسائل ذات الصبغة المحلية و تعريفهم بالبرامج البلدية”.
وجدي مساعد
شارك رأيك