الرئيسية » هل فازت النهضة و هل انهزم النداء ؟

هل فازت النهضة و هل انهزم النداء ؟

بقلم: أحمد الحباسي

يحاول حزب النهضة أن  يقنع المتابعين بكونه قد فاز فوزا ساحقا في الانتخابات البلدية ، يرى البعض أن النداء قد هزم هزيمة شنيعة  منذ ساعات  ، كلا  الموقفين خاطئين  و غير صحيحين  بالمرة  ،  حتى نفهم ما حصل  و حتى نقوم بعملية تحليل موضوعية  و متأنية  لا يجب أن نخفى على السادة المتابعين  أن  عملية تحليل ما حصل معقدة بعض الشيء  و تحتاج إلى كثير من  التعامل الرصين مع الأحداث و الأرقام.

 أولا ،  يجب التنبيه إلى انخفاض نسبة المشاركة  و هذا مؤشر  خطير  خاصة و أن تونس تجتاز  مسارا انتقاليا  كثير العقبات يحتاج من المواطن المشاركة الفاعلة  و الانتباه إلى كل  الأحداث الحاصلة في البلاد و بالذات سعى حركة النهضة  بكثير من اللؤم و النفاق و الخديعة لاستعادة أنفاسها المهدورة نتيجة اعتصام الرحيل و ما ترتب عنه من بداية سقوط مشروع إنشاء الخلافة السادسة و اعتبار تونس  ارض الميعاد لكل الإرهابيين التكفيريين المنتشرين في كل بقاع العالم  ، بطبيعة الحال هذا التدني الكبير في نسبة المشاركة اضر بكل الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات  بصورة عامة و لكن بالنهضة بصورة خاصة إذ كشف انحدار مخزونها الانتخابي الشبابي  و حصول نوع من القطيعة الوجدانية بين القاعدة و القيادة  و هو  مؤشر مهم  سيزيد عمقا  في الانتخابات القادمة .

ربما كشفت هذه الانتخابات أن حزب نداء تونس و رغم كل ما حصل داخله و حوله من تجاذب محموم و انقسامات مشبوهة  و ضرب تحت الحزام  فقد حصل على نتيجة ممتازة و غير متوقعة في كل الأحوال  و هذه النتيجة التي يعتبرها البعض مؤشرا على الهزيمة  تبقى مؤشرا مهما  للتأكيد بأن  هذا الحزب لم يفقد قاعدته الانتخابية  رغم  وجوده بين كماشة حركة النهضة و بقية الأحزاب الأخرى التي لم تخف عداءها الواضح للحزب الحاكم  و كانت ترغب في إفتكاك أكثر ما يمكن من المقاعد و المواقع الانتخابية  للنداء  ، بطبيعة الحال  نحن ندرك أن المشروع الانتخابي لحركة النهضة مركز على  استغلال الدين في السياسة و قد رأينا كثيرا من العينات في هذا المجال و فيها من أكد أن عدم انتخاب مرشحة الحركة هو خروج و ردة عن الدين  لا أكثر و لا اقل ، هذا يعنى  بالمنطق و بصرف النظر عن الصراع المحموم بين الإخوة الأعداء النداء و بقية الأحزاب العلمانية  أن النهضة كانت في واد و مشروعها في واد و بقية الأحزاب العلمانية مجتمعة في واد و مشروعها المجتمعي في واد  ، هذا يؤدى بعملية حسابية بسيطة  إلى إفراز  نسبة نجاح الأحزاب العلمانية مجتمعة على نسبة نجاح الحركة الاخوانية التي  تنفرد بتمثيل مشروع الإخوان المسلمين في تونس .

لقد كان من المتوقع أن تتحصل حركة النهضة على  نسبة عالية بكثير من  النسبة البسيطة جدا  التي تحصلت عليها ، هذا التوقع لم يكن  ناتجا من فراغ بل بالنظر إلى ما تعرض  إليه حزب النداء الحاكم من  انقسام و ارتباك و شوشرة  جعلت القاعدة الانتخابية  تتبرم من نكثه لكثير من وعوده الانتخابية و فشله في إدارة  شؤون البلاد و عدم قدرته على حل مشكل البطالة  الذي يعتبر مشكلا جوهريا  قادر إما على  إرضاء الطبقات الشعبية و جعلها تنحاز إلى جانب الحكومة في الانتخابات أو  خلق حالة من النفور  و ردات الفعل  الحازمة  مثلما حصل في هذه الانتخابات التي تميزت بعزوف الشباب العاطل عن العمل ، في المقابل لا تعانى حركة النهضة من مثل هذا  العائق الكبير و المهم  على اعتبار أن القاعدة الشبابية للحزب هي قاعدة عقائدية  خاضعة لمفهوم السمع و الطاعة  يمكن تحريكها في كل الاتجاهات و استغلالها  في مثل هذه المناسبات التاريخية و المحطات السياسية المهمة في تاريخ التحول الديمقراطي التونسي  ،  نحن نتحدث هنا عن فشل  و حالة قطيعة واضحة  بين القمة و القاعدة  يضاف إليها حالة تململ ثابتة بين الصفوف و خاصة بين الصقور الذين يرفضون كل ما يسمى بتنازلات مرشد الحركة  و التي يرون أنها أضرت بخط السير المعهود .

لقد كان متوقعا أن لا يتحصل حزب النداء على نسبة عالية  في هذه الانتخابات لان هناك أحزاب علمانية أخرى تنتمي إلى نفس  التوجهات  قد استحوذت على جزء من القاعدة الانتخابية العامة  و لكن في كل الأحوال  فان ما تحصلت عليه هذه الأحزاب  يصب في خانة الديمقراطية الناشئة  و يستنزف مشروع  حركة النهضة و يجعل هذا الحزب دائما معرضا للنكسات الانتخابية و عدم القدرة على  العزف السياسي المنفرد  و هو الأمر الذي  جاء على لسان الناطق الرسمي لهذا الحزب السيد عماد الخميرى منذ ساعات قليلة  ، لعله بقراءة متأنية و فاحصة يتبين اضمحلال المخزون الانتخابي لحركة الإخوان  منذ انتخابات سنة 2011 إلى ألان و هذا مؤشر ثابت على فشل هذه الحركة في  تسويق مشروع الإسلام السياسي و هو مشروع يخدم المصالح الصهيونية الأمريكية في المنطقة العربية تماما كما حصل في سوريا و العراق  منذ الغزو الأمريكي لدولة ما بين النهرين  ، نفس القراءة السياسية تؤكد عزلة مشروع الحركة داخل تونس و خارجها  خاصة بعد أن تبين  أن هذا المشروع  مشبوه و يهدف فيما يهدف إلى ضرب الاستقرار في المنطقة ،  ربما كانت نتائج الانتخابات البلدية هذه المرة مؤشرا جديدا و مهما على سقوط مشروع الإسلام السياسي و عزلته و عدم وجود حاضنة  شعبية قادرة على إعطاءه الزخم المنتظر  و لعل الانتخابات القادمة ستؤكد هذا المعطى المهم .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.