الرئيسية » نداء تونس من 2014 الى 2018 : خطان متوازيان واستراتيجيتان متقاطعتان

نداء تونس من 2014 الى 2018 : خطان متوازيان واستراتيجيتان متقاطعتان

 

 

 

بقلم الصحبي بن فرج

 

كتب الصحبي بن فرج القيادي في حركة مشروع تونس  مقالا حول تداعيات تحالف النداء مع النهضة .

و قد جاء كالتالي :

“كان من مخرجات لقاء باريس التسليم بحتمية وصول الباجي قايد السبسي الى قصر قرطاج في مقابل التسليم بحتمية التفاهم والتعاون مع حركة النهضة من أجل الخروج من مأزق 2013 مع وعود(وربما عهود) متبادلة بإمكانية واعدة للتحالف بعد الانتخابات
كانت حسابات الباجي قايد السبسي تعتمد على قاعدة “سحب حركة النهضة نحو المربع السياسي” بدلا عن المخاطرة والاضطرار الى المواجهة معها أو مع واجهاتها العديدة،

تقتضي هذه القاعدة، أن يكون الثمن المعلن لتفادي المواجهة (الحتمية حسب رأي من سوّق لهذه الفكرة ونشرها ) إشراك النهضة في حكومة النداء وبالحد الادني (وزير وكاتبي دولة) بينما يكون بعض الأثمان غير المعلنة تعيين رئيس حكومة من خارج النداء، وتحييد وزارات السيادة(الداخلية والعدل والدفاع) على ان تلتزم النهضة بتغيير لونها وطعنها ورائحتها، شكلا، وخطابا و”تذوب” في المجتمع التونسي تحت قيادة السيد الرئيس حامي الدستور والضامن للتوافق والمانع للإقصاء.

كان من بين بنود “التونسة”، التخلي طوعا عن قياديين كانوا رموزا للوجه ال”السلفي” والمتشدد لحركة النهضة (اللوز، شورو وغيرهما) وتصدّر وجوه “غير صادمة” ومقبولة (لعذار، الحمامي وغيرهما)
وفي المقابل، حصل الشيخ على مطلب قديم ولكنه ثمين و “قاتل” وهو استبعاد الوجوه “الاستئصالية” للنداء حفاظا على مناخ الثقة والتوافق (الطيب البكوش، محسن مرزوق،لزهر العكرمي، منذر حاج علي وغيرهم كثيرون) وهو ما حصل في مراحل لاحقة بطرق مختلفة و بنجاح ساحق

المفارقة ان أغلب مطالب(ومكاسب) الشيخ كانت تصب في سياق البند الثاني من استراتيجية الباجي قائد السبسي.. : تأمين خلافة الحزب الذي أسسه لمصلحة نجله حافظ ، وبالتالي ضمان ترشيحه للانتخابات القادمة خاصة وأن الشيخ لم يكن ممانعا للموضوع، بل يقال أنه صرّح أمامه بأن ضمانته الوحيدة لديمومة تواصل تنفيذ الاتفاق هي الرئيس ونجل الرئيس ،
وربما قدّر الباجي قايد السبسي أن التوافق مع النهضة يُجنبه فرضية خوض معركتين في نقس الوقت ويمكنه من التفرغ كليًّا لمعركة الحزب،

وقد يكون رأى في تعيين رئيس حكومة من خارج النداء ما يقطع الطريق على إمكانية بروز قائد جديد من منافسي نجله يستقوي عليه بالسلطة التنفيذية،
كما أن تحييد الداخلية والعدل والدفاع سيمنع بروز قيادات قوية منافسة لحافظ، ثم تأتي الإزاحة التدريجية لقيادات تاريخية نداء تونس(بطرق عديدة) لتفسح المجال طبيعيا لابنه لزعامة الحزب.

راهن السيد الباجي قائد السبسي على التهرئة التدريجية للحركة وتآكل شعبيتها عبر احتكاكها ببهرج السلطة دون أن تكون لها حقيقة السلطة….. ولا بد من الأعتراف اليوم بأن الباجي نجح في تحقيق أهدافه:النهضة تفقد قرابة النصف من ناخبيها وتخترقها صراعات عميقة بين التيار الأصولي العقائدي المتمسك بمبادئ التأسيس والتيار الحداثي البراغماتي المتحرر من القيود العقائدية والمتطلّع نحو آفاق سياسية واجتماعية واقتصادية أرحب من سجن الايديولوجيا الدينية الصارمة.

ولكن….الخطأ الهيكلي في استراتيجية الباجي قائد السبسي تكمن في أن بندها الاول (التذويب) يتعارض مطلقا مع بندها الثاني(التوريث) إذ لا يمكن تنفيذ البند الرئيسي (تذويب النهضة و”تونستها”) بدون المحافظة على حزب موحد وقوي قادر الى منافسة النهضة ومواصلة المعركة معها “داخل المربع السياسي” وبدون قيادة تاريخية محترفة وهياكل قاعدية فاعلة و سلطة حقيقية تُمارس على الارض وليس على الورق:
•اشراك النهضة في الحكومة، أفقد الحزب مصداقيته وأخرجه من قلوب أنصاره
•حرمانه من ممارسة السلطة المباشرة والحقيقية أفقده جاذبية الحزب الحاكم فعليًّا
•إفراغه من قياديّيه الحقيقيين أدى إلى انقسامه و تفكك الهياكل الوطنية والجهوية
•حشره في مسار توريثي أفقده شرعيته الاخلاقية
•فشله في إدارة الحكم وفشل الحكومات المتعاقبة (كنتيجة طبيعية لمسار كامل ) جعل منه في عيون الشعب المسؤول الرئيسي عن ازمة الدولة والمجتمع والاقتصاد

ربما لم يتوقّع السيد الرئيس أن يكون ثمن نجاح استراتيجيته انهيار شعبية حزبه وهو ما سيتأكد بخسارة قرابة مليون صوت من المخزون الانتخابي الثمين الذي تحصل عليه في 2014 .

لم يتوقع أيضا أن يعجز السيد حافظ عن المحافظة على الحزب الفتي ويفشل في إدارته في غياب القيادات الحقيقية والمتمرّسة التي أزيحت والتي تفرّغت بعد ذلك لتهرئة ومنافسة النداء ومديره التنفيذي،
ولم تفلح مختلف وسائل الانعاش والدعم واستعمال قوة السلطة التنفيذية في تفادي الانهيار ولم يكن مجديًا حتى الإستنجاد بقيادات تجمعية قديمة.

لم يُصدّق الرئيس أبدًا أن أكثر من ثلث الكتلة النيابية، القوة الضاربة لكامل منظومة الحكم، ستُقدمُ فعلا على الاستقالة بعد أقل من سنة إحتجاجا على سياسة التوافق ومسار التوريث وانحراف الحزب عن مساره وسقوطه في فخ الاستبداد والتوظيف، ليبدأ بعد ذلك مسلسل الانهيار الفعلي.

الخلاصة الموضوعية، أن الباجي نجح نجاحا كبيرًا في خطة التذويب، ولكنه خسر رهان التعويل على من اختارهم لمواصلة قيادة المعركة
كانت هذه خطة الباجي، فماذا عن استراتيجية الغنوشي؟.”

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.