من الجزائر : عمار قردود
أعاد حلول شهر رمضان الفضيل في تونس دعوات العديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية إلى إلغاء منشور صدر سنة 1981 يتعلق بغلق المحلات التجارية خلال شهر رمضان، و طالبت جمعيات تونسية ناشطة في مجال حقوق الإنسان بضرورة ضمان حرية المعتقد والضمير، في ظل تواصل العمل بمنشور قديم يجبر المقاهي على غلق أبوابها في شهر رمضان.
و في رسالة وجهها الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية إلى رئيس الجمهورية،رئيس الحكومة و رئيس مجلس النواب دعا إلى “إبطال المناشير” التي يعتبرها “تتعارض بشكل صارخ مع أحكام التشريع الأعلى للدولة، خاصة منها منشور صدر سنة 1981 يتعلق بغلق المحلات التجارية خلال شهر رمضان”.ولا يوجد أي قانون في تونس يمنع الأكل أو الشرب علنًا خلال شهر رمضان.
و خلال شهر رمضان تُغلق معظم المقاهي والمطاعم في تونس، في حين تبقى مطاعم ومقاهي الفنادق، مفتوحة، ويستمر العمل في مطاعم ومقاهي قليلة جدًا، مع إنزال ستائر تحجب الرؤية من بداخلها.
و الجدير بالذكر إن السلطات التونسية أوقفت في شهر رمضان الماضي، عددًا من الأشخاص المفطرين وتم توجيه تهم “المجاهرة بالفحش” إليهم و هي تهم تتنافى و روح الفصل السادس من دستور 2014.و تستعد جمعيات حقوقية في تونس إلى تنظيم وقفة احتجاجية في 27 من ماي الجاري، من أجل المطالبة بتكريس حرية المعتقد والضمير.
و طالب الائتلاف المدني من أجل الحُريات الفردية برلمان الشعب بـ”تحمّل مسؤولياته، والعمل على مُراجعة القوانين القمعيّة، ومن ضمنها المجلّة الجزائيّة من أجل مواءمتها مع أحكام الدستور المتعلقة بالحقوق والحُريات الفردية والجماعيّة”.وجاء في الرسالة التي وقعتها نحو 31 منظمة أنه “كما في السنوات الفارطة، ومع اقتراب شهر رمضان، تزايد خطاب الكراهية ضدّ التنوّع الديني في بلدنا، وتعددت التهديدات، التي تستهدف حُريات الضمير والمعتقد والرأي والتعبير”.
لا لجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتونس؟
و تعتقد الفعاليات الحقوقية والمدنية التونسية أن السلطات تريد خلق جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتونس وهو ما يتعارض مع حرية الضمير التي ينص عليها الفصل السادس من دستور 2014.و طالبت وزارة الداخلية بإلغاء العمل بمنشور قديم يعود إلى العام 1981، يقضي بغلق المقاهي والمطاعم في شهر رمضان.
وينص الفصل السادس من دستور 2014 على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”.ووفقًا للفصل ذاته، فإن الدولة “تلتزم بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدّسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها”.
العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وَصَفَتْ الفصل بـ”التمييزي”، لكونه “يهضم حق المواطنين التونسيين الذين اقتنعوا بتوجه عقائدي مخالف للإسلام في المحافظة على نمط حياتهم العادي، الذي يمكنهم من إنتاجية جيدة داخل العمل أو في فصول الدراسة”.
وعمد مجموعة من رواد “السوشيال ميديا” إلى إطلاق”منشورات” و “هاشتاغات”، ينشرون من خلالها صورًا ساخرة من واقع المفطرين في رمضان الذين يتوجهون نحو الاختباء في مختلف الأماكن، بما فيها المراحيض ودورات المياه، في محاولة لتبيين حجم المعاناة التي يتكبدها الشخص المفطر من أجل تناول طعامٍ يسد به جوعه.
ويطالب مطلقو هذه الحملات بـ”تقبل الاختلاف في الأفكار والمعتقدات، وإعادة النظر في المنظومة الجنائية كاملة، عبر إلغاء مفهوم المسلم داخلها، وإعادة الاعتبار إلى مفهوم المواطن بشموليته، دون الأخذ بتوجهه الديني”.
وتشكل مثل هذه “التدوينات” مجالاً دائمًا للصراع بين حاملي توجهات عقائدية مختلفة والعديد من المحافظين الذين يرون فيها محاولات لتدمير وحدة المجتمع، وزرع أفكار الفتنة داخله، بنشر قضايا هامشية وغير مهمة، داعين غير المسلمين إلى الإفطار سرًا داخل منازلهم.
وزارة الداخلية:السماح بفتح المقاهي تحريض على الدولة و إستفزاز لمشاعر المواطنين
وزير الداخلية التونسي، لطفي براهم، قال في رده على سؤال كتابي وجهته إليه النائبة هاجر بالشيخ أحمد إن “الصوم شعيرة هامة عند أغلب المواطنين، ويمكن أن تسبب المجاهرة بفتح المقاهي، وعدم ضبط شروط لفتحها، استفزازًا لمشاعر العديد منهم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل عنيفة تؤثر على الأمن العام”.
و إستطرد براهم في رده على سؤال النائبة، فيما يتعلق بعدم إلغاء منشور يُجبر المقاهي والمطاعم على غلق أبوابها في شهر رمضان، أن السماح بفتح مقاهٍ نهار رمضان “يمكن أن يمثل وسيلة لبعض الجماعات المتطرفة للتحريض على الدولة ولارتكاب أعمال إرهابية، خاصة أن شهر رمضان يعرف ارتفاعًا في وتيرة التهديدات الإرهابية من مختلف التنظيمات التكفيرية”.
وبحسب براهم فإن “الوزارة تسعى إلى الموازنة بين مهامها المتعلقة بحفظ الأمن العام، وبين واجبها في حماية حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، بما يكفل احترام المشاعر الدينية للمواطنين المؤدين لفريضة الصيام من جهة، ويراعي حق غيرهم في ممارسة حرياتهم الفردية المكفولة بالقانون من جهة أخرى”.
و يبدو أن وزارة الداخلية التونسية لا تنوي إلغاء ما يعرف إعلاميًا بـ”منشور مزالي”، نسبة للوزير الأول الأسبق التونسي محمد مزالي في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.وعن إمكانية إلغاء المنشور في القريب العاجل، توقع المتتبعون للشأن التونسي أنه من الصعب أن يحدث ذلك، لأنه يحتاج إلى جهد كبير، ولن يتم إلا بتغيير العقول بالتدريج والنقاش، من أجل ضمان عيش الإنسان بانسجام تام مع رغباته وطبيعته.
سجن 4 تونسيين أكلوا ودخنوا في نهار رمضان 2017
و في العام الماضي أدانت محكمة تونسية في ولاية بنزرت، أربعة أشخاص بالسجن، جراء أكلهم وتدخينهم نهارا في شهر رمضان، داخل حديقة عامة.وجرى النطق بالحكم في وقت تطالب منظمات حقوقية السلطات بحماية “حرية المعتقد” المنصوص عليها في دستور البلاد لسنة 2014، وإثر دعوة نشطاء إلى التظاهر يوم 11جوان 2017 للمطالبة باحترام “الحريات الفردية”.
ولا يوجد في تونس قانون يمنع الأكل وشرب الماء نهارًا في الأماكن العامة، خلال شهر رمضان، لكن النقاش حول القضية يتجدد سنويًا خلال الشهر.ويقول الدستور التونسي في فصله السادس إن الدولة “كافلة لحرية المعتقد والضمير”، لكن ينص أيضا على أن الدولة “تلتزم (..) بحماية المقدسات ومنع النيل منها”.
وأورد الناطق الرسمي باسم النيابة العامة في بنزرت، أن المفطرين الأربعة “اعتدوا على الآداب العامة” بعدما “أكلوا ودخنوا في حديقة عمومية في حركة استفزازية خلال شهر رمضان (..) في دولة ينص دستورها (في فصله الأول) على أن الاسلام دينها”.
من ناحيته، ذكر منجي بولعراس رئيس النيابة العامة بمحكمة بنزرت الابتدائية، أن المفطرين الأربعة أثاروا غضب السكان في مدينة بنزرت، مما استوْجب تدخل الشرطة وإحالتهم إلى المحكمة.
شارك رأيك