بقلم: وليد الوقيني
طبعا لكل فعل سياسي لا بد من تأصيل له في النص الدستوري فالدستور لوحده هو المنظم لطبيعة العلاقات بين السلط اذ يعرف على انه القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة و هذا الاختصاص هو اختصاص متميزة به القاعدة الدستورية اذ لا يمكن ان تحل قاعدة أخرى محل القاعدة الدستورية إلا إذا كانت عرفا دستوريا و المقصود هو ذلك السلوك الذي أنشأه الواقع العملي إلا أنه صار يقتضي قاعدة الالزامية و من الممكن أن تكون كل القواعد الدستورية مسطرة عرفا مثل المملكة المتحدة البريطانية .
قلت من خلال هذا التقديم ان العلاقات بين السلط يحددها النص الدستوري و لا شك أن هذه السلط تنقسم إلى ثلاث سلط إلا وهي التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و قد اختار الدستور التونسي لسنة 2014 نظام الرأسين للسلطة التنفيذية مسايرة لما هو معمول به في الأنظمة البرلمانية بمختلف التجارب في العالم ، و لكن يقف وراء هذا التوجه كذلك هي الرغبة في تفتيت سطوة السلطة التنفيذية الاعتقاد ان السلطة التنفيذية برأس واحد كما كان عليه الأمر من قبل انما يساهم في تغول هذه السلطة و العودة إلى مربع الدكتاتورية و الحال ان الولايات المتحدة الامريكية مباشرة و بعد الاستقلال و قبل نهاية التمييز العنصري اختارت النظام الرئاسي و بنت ديمقراطية يشهد بها الجميع فتعلة أنه لابد من التدرب على الديمقراطية و من ثمه نبحث في إمكانية صياغة نظام رئاسي اعتبرها حجة واهية إلا إذا كان هناك اختلاف في العقل البشري بينهم و بيننا و هذا ما لا اراه البتة ، اعود حول خيار السلطة التنفيذية برأسين اي رئيس جمهورية و رئيس حكومة يشتركان في تسيير دواليب هذه السلطة كل في نطاق اختصاصه .
قدم الدستور التونسي لسنة 2014 تعريفا لرئيس الجمهورية اذ اعتبره بالفصل 72 أنه ” هو رئيس الدولة ، و رمز وحدتها ، يضمن استقلالها و استمراريتها ، و يسهر على احترام الدستور ” و بالمقابل لم يعرف الدستور التونسي رئيس الحكومة و انما عدّد جملة صلاحياته و طريقة تعيينه و انتهاء مهامه و علاقته بالسلط الاخرى و مؤسسات الدولة و علاقات الأخيرين بالذكر به ، و عدم تقديم تعرف لرئيس الحكومة بالدستور لم يشأ عن بقية الدساتير المماثلة في و غالبا ما نجد ان تعريف رئيس الحكومة شأن تكفل به فقهاء القانون الدستوري .
أنه من خلال تعريف رئيس الجمهورية بكونه رئيس الدولة و المقصود هنا بالدولة هي الشعب و الإقليم و السلطة الساسية كما دأب على تعريفها و الرئيس لغة هو الصفة المشبهة التي تدل على الثبوت و هو سيد القوم و في الأنظمة البرلمانية هو ممثل الأمة كافة و من ذلك منحه تمثيل الدولة في الخارج ، كما أنه رمز وحدة الدولة بما للمعنى من سيادية و رمزية و الضامن لاستقلالها و استمراريتها من هذا منح الدستور التونسي للمسائل الأمنية و العسكرية و اعلان حالة الاستثناء ، و هو كذلك الساهر على احترام الدستور و طبيعي ان يكون فرمز وحدة و صاحب القرار و القائد الأعلى للقوات المسلحة ان توكل له مهمة احترام الدستور كقاعدة قانونية عليا تسير شؤون البلاد .
ان مثل هذه الصلاحيات السيادية التي منحها الدستور لرئيس الجمهورية أوجد لها مجموعة من الأدوات حتى يضطلع بها رئيس الجمهورية ، لكن تبقى تلك الأدوات غير كفيلة بآداء كل تلك الصلاحيات فبإمكان رئيس الجمهورية ان يستنتج خطرا ما يتهدد البلاد من شأنه النيل من وحدتها فإلى جانب اعلان حالة الاستثناء او اتخاذ التدابير الأمنية او العسكرية لم يوفر له الآباء المؤسسون أدوات سياسية منصوص عليها دستورا لحل ذلك الاشكال و رغم أنه المعني دستورا بمسائل الأمن القومي إلا جهاز النيابة العمومية تحت امرة الحكومة باعتباره مسؤولا عن تطبيق السياسة الجزائية للحكومة بمعنى آخر ان كل تلك الصلاحيات السيادية الممنوحة بالدستور لرئيس الجمهورية لا تقابلها بالمقابل الأدوات العملية الملائمة الذود عن كل تلك الغايات العليا في الدولة ، و هذا مرده حسب نظرنا سألتني اثنين أنه غالبا في الانظمة البرلمانية ما يكون شخص رئيس الجمهورية بعيدا عن اللعبة السياسية إلى جانب ذلك رغبة الآباء المشرعين في اغلبهم على ان لا يكون لرئيس الجمهورية اي دور سياسي ، لذلك فإن العلاقة بين رئيس الحكومة و رئيس الجمهورية كساها الدستور في أغلب الاحيان بطابع استشاري حتى تكون سلطة القرار النهائي لصاحب الصلاحية و كأننا بالدستور يرى أن الحالة المثلى ليست حالة التكامل بين رأسي السلطة التنفيذية لإعلاء مصلحة البلاد و انما حالة التعامل بندية و ربما هذا ما يفسر من خلال الواقع العملي ما شهدناه من اخذ و رد بين قرطاج و القصبة طيلة السنوات الماضية و هذا ما سنظل نراه مستقبلا ، أضف ان هذه الحالة من التجاذب عايناها و الحال ان رأسي السلطة ينتميان إلى حزب واحد فما بالك لو كان رأسي هذه السلطة كل من حزب مختلف عن الآخر ، و هذا يجعلنا ننبه ان هذا النظام الدستوري ليس من شأنه أن يخلق أزمات متكررة كهذه ، فرئيس الجمهورية المسؤول عن استقرار البلاد و سلامتها و استقلالها إذا لاحظ ان رئيس الحكومة يتخذ جملة من السياسات التي من شأنها أن تشكل تهديدا لتلك الغايات السيادية و لم يوفر له المشرع إلا سلطة توجيه خطاب لمجلس نواب الشعب و هنا نذكر أنه إذا كانت الأغلبية النيابية تابعة لرئيس الحكومة فإنه لن يجدي ذلك الإجراء نفعا ، بالتالي فإن رئيس جمهورية محمول على أداء كل تلك الصلاحيات السيادية بأدوات عمل محدودة و سلطة رقابة مفقودة على العمل الحكومي لا يمكن ان تكون إلا ضربا من ضروب العبثية التشريعية التي لن تؤدي إلا إلى الحالة السياسية التي نعيشها اليوم في تونس فحتى ترأسه الوجوبي لمجلس الوزراء طبق الفصل 93 ينحصر في مجالات الأمن القومي و الدفاع و الخارجية ، و الحال ان الأمن القومي قد تهدده علاقة متأزمة بين الحكومة و إحدى النقابات او المنظمات إلى جانب فإن الاقتراض و متابعة برامج التنسيق مع الصناديق تعد من اولويات السياسة الخارجية رغم أن المسألة تبدوا في ظاهرها اقتصادية أو تسييرية بالنسبة للأولى بالذكر ، قلت ان رئيس جمهورية منزوع هامش التحرك السياسي بكل تلك الصلاحيات السيادية و المقصود بالسياسي هنا ليس الحزبي بل السياسي بمعنى فن التسيير و صناعة القرار و إدارة الازمات التي تمر بها الدولة بوصفه الضامن لوحدتها و استقلالها و استمرارها بينما لرئيس الحكومة كل الصلاحيات و الحال ان رئيس الحكومة معين و رئيس الجمهورية منتخب فالأول بالذكر ليس له مسؤولية أمام الناخبين و الحال ان الثاني مسؤول أمام الناخبين إلى حد التنصيص على مسائلته الجزائية بالنص الدستوري .
في الواقع ان رئيس الحكومة الذي يختار من الحزب او الائتلاف الفائز بالانتخابات التشريعية شخص رئيس الحكومة أو يختاره من بين الشخصيات الأقدر بعد التشاور يبقى هو صاحب الاصل في وجود رئيس الحكومة و لمجلس نواب الشعب منحه الثقة و نلاحظ أن المشرع في صورة سحب الثقة من الحكومة او عدم منحها الثقة يختار الشخصية يقول المشرع الأقدر فلو كانت سلطة التقدير لقيام رئيس الحكومة للمهام المنوطة بعهدته موصولة بعهدت مجلس نواب الشعب فقط لما كان للمشرع الدستوري ان يطلب من رئيس الجمهورية ان يعين الشخصية الاقدر و بالاختيار على أساس القدرة فهل يسلب المخير سلطة التقييم ؟ هنا منطقا فإن رئيس الجمهورية الذي يختار الشخصية الأقدر و يكون سبب و علّة وجودها السياسي اولا حتى تعرض على منح الثقة أمام البرلمان ثانيا يصح له مراقبة عمل تلك الشخصية و آداءها فهو منح الثقة من المجلس الذي له سلطة مراقبة الحكومة و محاسبتها و كذلك لرئيس الجمهورية ان يتابع ادائه هذا ما كان في تونس بالنسبة لحكومة الحبيب الصيد عندما قيم الرئيس الباجي قائد السبسي آداء هذا الأخير و على أساس ذلك انطلق في مبادرة وثيقة قرطاج الاولى و هو نفس الأساس المعتمد بوثيقة قرطاج الثانية لكن هذه الاداة التي اعتمدها صراحة مع الحبيب الصيد تخلى عنها مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد و الحال ان أيا من المجتمع السياسي قد عارض انذاك ممارست رئيس الجمهورية لذلك رغم أن الواقع الاقتصادي و الاجتماعي أفضل من أيامنا بكثير ، لكن اليوم تمسك رئيس الحكومة بأنه ليس من دوره دستوريا ان يتدخل في ذهاب الحكومة ، بالفعل دستوريا لا يوجد نص صريح لذلك لكن عندما يحمل الدستور لرئيس الجمهورية مسؤولية وحدة الدولة و استقرارها و استقلالها و استمرارها و وضع سياساتها الخارجية و أنه ظن أنه عين الاقدر فوجد تلك المبادئ مهددة و الحال ان ليس له حزبا اذ وجوبا يستقيل عند توليه لمنصبه فهل يطلب منه ان يصمت و يرى ماهو مؤتمن عليه يهوي و الحال أنه أدى القسم أمام الشعب بأن قال : “اقسم بالله العظيم ان أحافظ على استقلال تونس و سلامة ترابها ، و ان احترم دستورها و تشريعها ، و ان ارعى مصالحها ، و ان التزم بالولاء لها ” :
كما ان التجربة الفرنسية و بعد مخاض كبير مع التجربة البرلمانية حول دستور 1958 لرئيس الجمهورية سلطة تعيين و تنحية رئيس الوزراء إلى جانب ان الجمعية الوطنية الفرنسية لها طرح ملتمس الثقة للحكومة في نفس الوقت و ذلك لم يمس من جوهر الديمقراطية و لا يعطي للرئيس سلطة متغولة رغم ان له سلطة حل الجمعية الوطنية ديناميكية الحياة السياسية تجعل كل قرار من هذه القرارات محفوفا بجملة من الضوابط العملية ، لكن بقاء الحال على ماهو عليه بالنسبة لعلاقة رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة و العمل الحكومي سلطة الاحزاب الممثلة بالبرلمان متغولة على الدولة بما لا يؤدي بناة إلى الاستقرار السياسي و مجاعة العمل الحكومي و السير الجيد لدواليب الدولة .
محلل سياسي و قانوني
شارك رأيك