بقلم : أحمد الحباسى
ربما أسالت التصريحات المنسوبة إلى ابنة الزعيم الحبيب بورقيبة، هاجر بورقيبة كثيرا من اللغط و التعليق و الهرج و المرج ، ربما هناك من ظن أن هذه التصريحات التي يقول مقربون لهذه السيدة أنها أخرجت من سياقها من طرف ممثل حركة الإخوان المسلمين في تونس حركة النهضة بسلامة قدرها، من شأنها أن تشكل أرضية فكرية و جدلية تؤسس عليها كلاب الإخوان المنتشرون في مواقع التواصل الاجتماعي،خطتهم الخفية الهادفة لضرب الإرث البورقيبى بكل معانيه و مخرجاته و مفرداته و أهدافه التاريخية.
لنبدأ أولا بالقول أن السيد هاجر بورقيبة لا تمثل و لا يمكنها أن تمثل مهما كانت صلة قرابتها بالزعيم الخالد الفكر البورقيبى الذي تستهدفه حركة النهضة منذ انبعاثها و هي في ذلك لا تختلف في خستها و دناءتها عن الاستهداف الدامي الذي تعرض له الزعيم بورقيبة من كلاب القومية العربية المزيفة زمن الزعيم جمال عبد الناصر حين خطب خطابه الشهير في أريحا و عرى فيه سخف الخطب و الشعارات الرنانة التي كانت سببا في ضياع فلسطين و من بعدها في نكسة حرب جوان 1967 التي كانت بداية الانحدار العربي على كل المستويات ، أيضا لا ننسى كراهية و حقد الدول الخليجية و على رأسها السعودية على الزعيم بورقيبة الذي يمثل الحداثة و التنوير في مواجهة ثقافة بول البعير .
أولا لا بد من التذكير بموقف مرشد الإخوان في تونس راشد الغنوشى حين أجاز للسانه السوء و هو زاعم الفضيلة و التقوى و الإسلام أن يتفوه بعبارات نابية تجاه الإرث البورقيبى رافضا الترحم عليه و هو خطاب سيء لا يمكن أن يصدر إلا عن أمثاله من المشعوذين الإسلاميين الذي ملأت وجوههم الكالحة عديد القنوات الإعلامية العربية و العالمية ، هنا بيت القصيد لان حقد حركة النهضة على بورقيبة ليس حقدا مؤقتا أو انفعاليا أو اعتباطيا فرضته بعض الظروف بل حقد فطرى متأصل له علاقة بكون الرجل يمثل الواجهة العكسية الرافضة لفكر الإخوان المبنى على ثقافة التكفير و الرجم بالغيب و استعمال الدين لأغراض سياسية دنيوية و تضليل الناس حول الأهداف الحقيقية للإسلام و الرجل في المجمل يمثل خطرا على مشروع الإخوان المسلمين و على ثقافة بول البعير السعودية ، هذه هي العداوة و هذه هي الأسباب المعلنة و الخفية و هنا تأتى تصريحات السيد هاجر بورقيبة لتخدم من دون أن تشعر الأهداف الخبيثة لحركة النهضة التي يرفض الجميع الاقتناع و لو بوصة ثانية أنها تحولت من الدعوى إلى السياسي كما جاء على لسان مرشدها ممثل الإخوان المسلمين في تونس راشد الغنوشى ، ليأتي السؤال سريعا : هل كانت السيدة هاجر واعية بمكامن الخطر في مثل تصريحها و هل استدرجت السيدة لمثل هكذا تصريح و لماذا استغلت حركة الإخوان الغير المسلمين هذا التصريح رغم علم الجميع بالفارق السياسي الذي يجمع الزعيم بورقيبة و بابنته و الذي يجعلها مهما كانت صلة قرابتها بالزعيم أن تتطلع على سر موقفه من الإسلام السياسي عموما و من حركة النهضة خصوصا .
لعل الشغوفين بسيرة الزعيم و المقربين منه و كل الذين خدموا في حكمه و اطلعوا على مواقفه السياسية يعلمون علم اليقين أن بورقيبة لم يكن من الأشخاص الذين تسهل معرفة نواياهم السياسية الحقيقية و انه كأي زعيم عالمي بارع متمرس و محنك واع خبر كثيرا من الظروف السياسية و الاجتماعية السلبية و الايجابية يخفى أكثر مما يعلن و “يلعب ” بالظروف أكثر مما تعلب به و يمارس لعبة القط و الفأر مع كل الطامعين في الحكم و الباحثين عن مكان تحت الشمس لكن من الثابت من سيرة الرجل و مما حصل إبان فترة حكمه من محاكمات و إيقافات لعناصر حركة النهضة الإرهابية التي أرادت قلب نظام الحكم و مارست شتى أنواع العنف و الخطاب السياسي الداعي للكراهية أنه يقف في خط معاكس لفكر هؤلاء المجرمين الذين قال عنهم في إحدى خطبه الشهيرة أنهم يحملون وجه الحمل الوديع و يمارسون لؤم الذئاب الخبيثة ، الرجل كان عارفا مطلعا عن كل كبيرة و كان مثقفا لدرجة أنه يعلم نوايا هؤلاء الموالين للفكر التخريبي لحسن البنا و سيد قطب و عمر التلمسانى إلى آخر القائمة الإرهابية التي تعانى منها مصر هذه الأيام بعد سقوط مرشد الإخوان محمد مرسى ذلك السقوط التاريخ المهين ، من العيب أن يقال عن بورقيبة الذي كان يرفض الأحزاب السياسية المدنية عموما لكون البنية الثقافية و السياسية و الاجتماعية في تونس في فترة حكمه كما جاء على لسانه لم تكن قادرة على تحمل هذا الشكل من الترف الديمقراطي .
لقد كان الإخوان في تونس منبوذين من بورقيبة لأنهم يمثلون في نظره الذي بناه على عدة معطيات ملموسة أهمها أن هذا القطيع التونسي المؤدلج كان يخدم المصالح العليا للإخوان المسلمين في مصر و كانت تبعيته الذهنية و الأخلاقية و الوطنية لهؤلاء القتلة الذين سمموا الحياة السياسية في مصر منذ ما قبل الثورة المصرية إلى حد الآن ، قلت لأنهم يمثلون في نظره ما يمثله الفكر النازي للحضارة الإنسانية و ما يمثله الكهنوت الديني الخبيث لفكر التنوير و الحداثة ، هناك زعيم مثقف تنويري حداثى مقابل همروج من الكهنة و المشعوذين باسم الدين ، هناك مشروع أمة تونسية تتعايش مع اختلافات محيطها مقابل مشروع خلافة بائسة تدعو إلى التفكير و رفض التعايش مع الفكر الآخر ، هناك مشروع انفتاح على الثقافة و التكنولوجيا و العلم مقابل مشروع انغلاق و سد وسائل الشم و الذوق و السمع الإنساني ، ما بين الزعيم بورقيبة و بين مرشد الإخوان الغنوشى كما بين السماء و الأرض مساحة لا تقدر بالأميال و لا بالأفكار و لا بالمشاريع و لا بالرؤية الاستشرافية و لا بالحنكة السياسية و لا بالإشعاع العالمي و لا بالثقافة ، مقابل الزعيم يصبح مرشد الإخوان مجرد صفر مكعب في ميزان التقدير العالمي للرجلين ، بورقيبة لم يكن ليرفض التعايش مع الإخوان فقط بل كان سيضع حدا لخيانتهم و وقوفهم إلى جانب المصالح الأجنبية المشبوهة على حساب المصلحة الوطنية ، ربما ظن البعض أن الزعيم المعروف بالمناورات السياسية سيقبل بالتعايش مع قطيع الإخوان الإرهابيين و لهؤلاء نجيبهم بأن حبل المشنقة كان ينتظر هؤلاء قبل ساعات من استيلاء بن على على الحكم بعدما رفض الزعيم العفو الرئاسي في موقف واضح لا لبس فيه ، فهل لا يزال هناك من يصدق أن الزعيم سيجلس جنبا إلى جنب مع ما وصفه بالذئب اللئيم .
شارك رأيك