بقلم فرحات عثمان
اجتمع رئيس الحكومة اليوم ببعض الوزراء الأمنيين لمتابعة الوضع على إثر فاجعة غرق مركب جديد للهجرة غير الشرعية في عرض سواحل جزر قرقنة التي أصبحت معبرا للمهاجرين غير الشرعيين، لا من تونس فقط، بل من كل البلاد الإفريقية.
فإلى متى يتم تجاهل هذه الظاهرة التي لن تتوانى عن التنامي خاصة وأن الحل متوفر وليس هو ما تحدّث عنه ويتحدّث رئيس الحكومة وساسة الدولة، إذ مسؤولية هذه الفاجعة وظاهرة الهجرة غير الشرعيةتقع على عاتق الدولة والحكومة لانعدام حكمة التصرّف في الغرض.
لغة رئيس الحكومة الحطبية:
أكّد السيد يوسف الشاهد على تضامن حكومته مع عائلات ضحايا هذه الفاجعة معبّرا عنها بالوطنية. فعلا، هي بحق وطنية، وكل التونسيون يقاسمون أهالي الضحايا مشاعر الأسى والحزن التي عبّر عنها. إلا أن ما لم يتكلم عنه رئيس الحكومة هي مشاعر السخط والغضب للأهالي على الحكومة التي لا تحرّك بجدية ساكنا لإيجاد حلّ لهذه الفاجعة وأمثالها، بينما هي متوفّرة.
إن يوسف الشاهد يؤكّد مواصلة الحكومة جهودها لتوفير الإحاطة المعنوية والنفسية للناجين والمادية للعائلات أيضا، وحرصه على التفعيل السريع للقرارات الوزارية لأجل تتبّع وتفكيك شبكات الإجرام التي تستغل الشباب الراغب في الهجرة وتتاجر به مخاطرة بحياته. إلا أن هذا ليس إلا ما يُسمّي باللغة الحطبية، أي أنها من الكلام الذي لا ينفع، بل من شأنه المغالطة وتجاهل أصل الموضوع.
مسؤولية الدولة:
الدولة التي لا تقدر على منع شبابها من الارتماء في أحضان الموت بحثا عن الحياة لهي المسؤولة على الفواجع التي تذهب بأرواحهم، وقد تكرّرت وتعدّدت. فما دور الدولة إن لم تكن في خدمة مواطنيها، خاصة الشباب وهم مستقبل البلاد؟
إن شبابنا ليقاسي الظلم داخل البلاد جرّاء القوانين المخزية التي تمنعه حتّى من مجرّد الحرّيات البسيطة، كأن يحبّ ويعبّر عن مشاعر حبّه علنا أو سرا؛ فهو، حتّى في حياته الخاصة، تحت أنظار العسس! وهو أيضا محرّم عليه ارتياد المقاهي في رمضان أو شرب ما يحلو له فيه أيام الجمعة. ثم كيف نضمن لشبابنا حق العيش الكريم داخل بلاده ونحن نشجّع الهستيريا في فهم الدين غلطا، ما يحمل العديد من شبابنا على امتهان القتل والعنف باسم دين بريء من جرائمه؛ ثم نحن لا نفعل شيئا لتحريم هذا الفهم المتز مّت للدين، بل ولتجريمه؛ فنحن نشجّعه خوفا من الإرهاب، بينما هو الإرهاب !
إن السلطة التي تقبل بقوانين غير أخلاقية باسم الأخلاق، والتي تنافق في فهم غير صحيح للدين يشجّع على الإرهاب، لهي المسؤولة على الفواجع التي اعتدناها بالبحر المتوسط. فليست هذه الفواجع، ومنها ما حدث أخيرا بعرض جزر قرقنة، مسؤولية من يساعد هؤلاء الشباب على حلم الهجرة السرية فقط. فلا وجود لهؤلاء بدون وجود الشباب المنكوبين؛ فإننا في مجال عرض وطلب، وهذا يعلمه ساستا بما أنهم فتحوا البلاد لرأس المال يرتع فيه كما يشاء. إلا أن رأس المال هذا متعجرف ومتوحش، لا يقرّ بالحرية إلا للبضائع ويمنعها لمن يخلقها، أي البشر. فهل هذا من الليبيرالية؟ بل هل هو من الأخلاق؟
إننا نتسمك ظاهريا بالأخلاق بادعائنا التمسك بالدين، بينما الفهم الصحيح للأخلاق يقتضي الكف عن المس بحقوق وحريات الغير، كلها بلا استثناء، إذ الإسلام حقوق وحريات، أو لا يكون! ومعلوم أن رأس المال الذي احتل البلاد لمصالحه المادية، لم ينجح في ذلك إلا بتواطىء من أهل الإسلام السياسي ممن يتاجر بالدين في تحالف مشين، لأنه متوحش ومتزمّت. فها هي تجارتهم الفاسدة تزيد في الفواجع بعد أن أرسلت البارحة العديد من شبيبتنا البرئية إلى بؤر الإرهاب باسم الجهاد!
ألم يحن الوقت لعودة الوعي للساسة، والاستفاقة إلى أن مأساة شبابنا ليست في تعدد المستغلّين لتطلّعاته إلى حياة أفضل، بل في انعدام هذه الحياة وفرصها، سواء في بلده أو خارجها؟ في بلاده، نظرا لبقاء قوانين الديكتاتورية والاحتلال المخزية التي تحدّ من حريات الحياة الخاصة للشباب حتى يعيش عيشته الخصوصية كما يبتغيها وكما يضمنها له نظريا الدستور. أما خارج بلاده، فبانعدام حقّه في التنقّل الحر، بينما ليس هذا مستحيلا، بل إنه المبدأ، يكفي لتحقيقه أن تتم المطالبة من طرف سلطنا بالمرور من نظام التأشيرة الجائر المعمول به حاليا إلى نظام عادل هو تأشيرة المرور.
تأشيرة المرور للخروج من مآسي الهجرة غير الشرعية:
النظام المعمول به حاليا في التأشيرة غير قانوني وغير عادل، إذ ينقض سيادة الدولة برفع بصمات مواطنيها من طرف سلط أجنبية؛ وإضافة لمخالف للقانون الدولي هذه، فهو يناهض حقوق الإنسان، لأن حرية التنقل من الحقوق الثابتة لكل البشر. أما ما تفرضه الظروف الأمنية الحالية، فمن الممكن احترامها تماما بتأشيرة المرور، إذ هي لا تغيّر شيئا في الإجراءات الحالية؛ علاوة على أن هذا النوع من التأشيرة غير غريب، إلا أنه لا يُستعمل إلا قليلا، لصالح قلة محظوظة.
إن المرور من التأشيرة غير القانونية الحالية إلى نظام تأشيرة المرور يعني أن لكل مواطن تونسي الحق في الحصول على الإذن بدخول الأراضي الأورويبة بتأشيرة مرور تمكّنه من البقاء بها مدة لا تزيد على الثلاثة أشهر، إذ عليه الخروج قبل انتهاء هذه المدة لتجديد التأشيرة والحصول على مدة جديدة مماثلة؛ وهكذا دواليك. وهي تسلّم مجّانا لمدّة سنة على الأقل مع قابلية التجديد بصفة آلية.
هذا النظام من شأنه أن ينهي ما نعيشه اليوم من فواجع الهجرة غير الشرعية، فيفرغ البلاد الأوروبية من غير الشرعيين التونسيين، لأن بقاءهم في وضعية غير شرعية مردّه انعدام إمكانية التنقل الحر. ذلك أن التأشيرة الحالية هي التي خلقت وتخلق الإقامة غير الشرعية. ثم إن تأشيرة المرور من شأنها دفع الإقتصاد بالزيادة في الرحلات بين بلادنا والبلاد الأوررية وخلق حركية جديدة وفرص عدّة ملائمة للمشاريع على ضفتي المتوسط؛ وهو ما لا يمكن فعله اليوم.
لذا، من واجب السلط التونسية استغلال هذه الفاجعة الجديد للمطالبة، في نطاق المشاورات الحالية لأجل التوقيع في السنة المقبلة على اتفاقية ألكا ALECA أي التبادل الحر المعمقة والكاملة، إضافة حرية التنقل البشري إلى الاتفاقية لتصبح بحق معمّقة وكاملة، وبالأخص أقل ظلما للاقتصاد التونسي مما هي عليه اليوم. فالمطالبة بألككا ALECCA تأتي حتما بتأشيرة المرور، فننهي بذلك، وفي أقرب وقت، الفواجع الحالية في المتوسط، إذ هي لن تنتهي إلا بحق حرية التنقل بين ضفتيه.
شارك رأيك