بقلم أحمد الحباسي.
ليلة 14 جانفى 2011، ربما هناك من لم يصدق خبر سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن على وربما هناك من صدق، المهم أن الشعب أصبح في اليوم الموالي أمام حقيقة ساطعة تتحدث بالدليل والبرهان عن سقوط النظام و تغييره.
من يستعيد صورة الأحداث المتصارعة في تلك الساعات وما تلاها من أيام الأسابيع الأولى للثورة يدرك كم الأحلام الوردية التي غمرت قلوب المواطنين بتحسين أوضاعهم وتغيير حياتهم إلى الأفضل على كل المستويات، وربما هناك من صدق أن حركة النهضة أو ما تم توصيفهم عبثا بكونهم يخافون الله هم الحل الذي سينقذ البعض من الضلال والبعض الآخر من البطالة وآخرين من شظف العيش و بؤس الحياة.
حركة النهضة استغلت الظروف المضطربة
سمح البعض لنفسه بأن يتخيل ويحلم ويطير من الحلم، وهناك فعلا من نسج أحلاما تفوق الخيال وظن أن تونس ستصبح سويسرا المغرب العربي وأن كل تلك المبادئ والوعود التي تضمنها بيان السابع من نوفمبر 1987 ولم تنفذ وبقيت حبرا على ورق سيعمل الإخوان على تنفيذها بندا بندا و وعدا وعدا.
سقط النظام ولا تزال الأسئلة الحائرة حول حقيقة ما حصل في تلك الساعات المرعبة مخفية بفعل فاعل، ولا يزال البعض يردد دون حمرة خجل أن ما حصل لم تكن ثورة بل انقلابا، وفينا من يقول أن ما حصل ليس ثورة بل حالة تدافع اجتماعي تم تغيير مسارها وهدفها بفعل تضليل قناة “الجزيرة” القطرية ودخول أجهزة مخابرات إقليمية ودولية على الخط، ولا يزال البحث مستمرا على رأى الفيلم المصري إياه بنفس العنوان.
لكن ما كان ظاهرا للعيان أن حركة النهضة قد استغلت تلك الظروف الحالكة و المضطربة للإجهاز على أرشيف الأمن السياسي بنية مسبقة ومبيتة تهدف إلى الحصول على كنز المعلومات الذي يؤرخ باليوم والساعة لكل ما حدث منذ الاستقلال وبالذات لكل ما اقترفته حركة النهضة و”هؤلاء الذين يخافون ربي” من عمليات إرهابية ودسائس ومكر وعلاقات أجنبية مشبوهة وبيع ضمائر وانخراط في مشاريع أجنبية مريبة إضافة إلى تهم تبييض الأموال والتجارة في الرقيق الأبيض وبيع الأسلحة و المخدرات وبطبيعة الحال ملفات كل الذين اندسوا داخل المؤسسة العسكرية أو الأمنية أو القضائية أو الإدارية ليشكلوا ما يشبه الطابور الخامس.
من زاوية أخرى هناك عدة عوامل ساعدت لجعل تفكير المواطن التونسي سلبيا تجاه العملية السياسية برمتها، وما يشهده البلد اليوم من مخاض عسير يعتبر في نظر المتابعين ضمن الحد الأدنى مما يجب أن يحصل للبلد والشعب.
و رغم عديد الإصلاحات الدستورية وانفتاح مناخ حرية التعبير فهذا لا ينعكس على الشارع وإن وجدت أصوات نشاز تثمن هذه الإنجازات المتعثرة فهناك حالة من الضبابية وعدم الوضوح.
بعد سبعة سنوات من الثورة، اغلب الشعب غير راض عما حصل خلالها وغير مقتنع بأن هناك تغيير سوف يحدث خلال الأعوام القادمة، لذلك تجده عازف كليا ولأسباب متعددة عن المشاركة في الإنتخابات بدليل ما حدث منذ اشهر في الانتخابات البلدية رغم أهميتها.
السؤال هنا من المسؤول عن الذي حصل؟ وكيف يستطيع الشعب أن يستعيد ثقته بنفسه مرة أخرى أو يصدق من يطرح نفسه مجددا لنيل الثقة في الإنتخابات الرئاسية القادمة سنة 2019؟
هناك قناعة راسخة لدى العموم خاصة بعد فشل حركة النداء في قيادة البلاد أن هؤلاء السياسيين ليس هدفهم خدمة الوطن والشعب بل الخدمة الشخصية والحصول على المنافع الفردية لا أكثر، لذلك ترتفع عديد الأصوات منادية بثورة تصحيح أخرى بل هناك أصوات تتمنى سماع البيان رقم 1.
نداء تونس، “الدار الكبيرة” التي أصبحت “دار عش الغراب”
ربما استشعرت حركة النداء بعد فوات فرص تصحيح كثيرة أن انتخابات سنة 2019 ستكون امتحان سقوط الحلم الذي أنجزه رئيس الدولة عندما أسس هذا الحزب وأن الهزيمة هذه المرة ستكون ساحقة و لا راد لها، وربما تعالت بعض الأصوات النشاز التي ساهمت في بتر الحلم مثل رضا بلحاج مطالبة جميع “المنشقين” بالعودة إلى “الدار الكبيرة” التي أصبحت “دار عش الغراب” الذي لا يعيش فيها إلا ابن الرئيس و بعض ضعاف النفوس والمتكالبين على الوجاهة الزائفة ومن جرب كل الحيل و الخدع على أمل أن تتبدل الأحوال ويلعب الزهر كما تقول الأغنية الشهيرة “آه لو لعبت يا زهر و تبدلت الأحوال”.
لكن الواضح من تصريحات و وجوه هذه الرموز أن الكأس قد انكسر ويصعب تصليحه وترميمه وأن هؤلاء التافهين الصغار قد قتلوا البقرة التي تدر الحليب على الجميع ليشهد الحزب تصحرا غير مسبوق كما تشهد البلاد هذه الأيام غيابا مصطنعا ومشبوها لمادة الحليب زاد في نقمة الشعب على حكومة الحرب المترددة.
إن الظهور التلفزيوني لرئيس الدولة و ما صاحبه من هرج و مرج مفتعل ومدبر بليل لغايات مدسوسة قد كشف أن تونس تعيش أزمة خانقة بسبب تداخل عدة عوامل سلبية في نفس الوقت من بينها تدقيقا ارتفاع منسوب المطلبية النقابية مقابل انخفاض مفهوم العمل أو ما يسمى بمفهوم الإنتاجية.
الحركة المشؤومة ولعبة تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة
بعد مرور أكثر من سبعة سنوات على نجاح الثورة هناك أسئلة حارقة لا تزال مطروحة أمام العموم من بينها معرفة حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمى، وهذا الملف الذي تعهد به رئيس الدولة شخصيا في بيانه الانتخابي بقى مفتوحا إلى أجل غير مسمى لأسباب معلومة تتعلق بمتطلبات التوافق بين حركة النداء وحزب الإرهاب حركة النهضة.
عدم كشف الحقيقة ينظر إليه اليوم من باب مصلحة الأمن القومي وليس من زاوية الوفاء بالعهود الانتخابية وحق الشعب في معرفة الحقيقة.
هناك ملف معتم عليه وهو ملف شبكات تسفير الإرهابيين إلى سوريا والذي تؤكد كل الآراء المتعقلة أن حركة النهضة وقطر وتركيا هم من يقفون وراءه وأن هذه الحركة المشؤومة التي تشبه الورم السرطاني الخبيث قد دخلت في لعبة تنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة الرامي إلى تفتيت الدول العربية وعلى رأسها طبعا سوريا التي تمثل أحد أضلاع المقاومة للصهيونية المتكون منها ومن حزب الله وإيران.
إن دخول حزب النهضة في سياسة المحاور الدولية يعد خطرا كبيرا على مستقبل السياسة التونسية لأن التحالف مع قطر وتركيا ليس بعيدا عن التحالف مع إسرائيل وأمريكا وخدمة الأغراض القطرية هي خدمة غير مباشرة للأهداف الصهيونية الأمريكية في المنطقة ولعل الذين يسترجعون تصريحات مرشد النهضة أمام مجلس “الأيباك” أياما بعد الثورة يدركون اليوم اللعبة الخطيرة التي تلعبها الحركة لضرب الوحدة العربية.
من أهم ما أفرزته الثورة التونسية هو غياب المثقفين والمبدعين ورجال الفكر بصورة عامة عن هذا الحراك الشعبي الساخن، وبعد مرور أكثر من سبعة سنوات لا يزال هؤلاء القوم محنطين مندهشين يطير على رؤوسهم الطير دون حراك أو النبس ببنت شفة ما عدا استثناءات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
ربما طرح البعض السؤال حول تنامي ظاهرة العنف المادي واللفظي وتناول المخدرات إلى غير ذلك من الظواهر المجتمعية السلبية بما فيها ارتفاع منسوب الانتحار، ولعل الجواب واضح بعد أن تخلت المؤسسة الدينية و طبقة المثقفين على القيام بدورها التوعوي المطلوب، يضاف إليه تقلص دور التعليم بحكم انصراف رجال المهنة إلى الإبتزاز المالي تحت بدعة الدروس الخصوصية دون الإهتمام بحقيقة دورهم في النهوض بالمستوى الحضاري والثقافي للشاب التونسي.
ربما انتبه الطالب إلى هذا الدور السلبي الذي انعكس على مستوى الشهادات العلمية وعمق مشكلة البطالة و زاد في إحباط الملايين من المتعلمين وأصحاب الشهادات العليا، وهذا الإنتباه هو الذي أدى إلى ضرب علاقة الإحترام بين الطرفين حيث شهدت عدة معاهد ومدارس حالات اعتداء مخجلة ضد المربين ليطرح السؤال مرة أخرى: هل كانت هناك ثورة بالأساس ؟
شارك رأيك