توقفت الكاتبة و الجامعية نائلة السليني عند الفصل 5 من دستور قيس سعيد الذي سيعرضه على التونسيين يوم الاستفتاء في 25 جويلية الجاري للتصويت بكلمة نعم أو لا…. و نشرت عشية اليوم الثلاثاء 12 جويلية 2022 ما يلي على صفحات التواصل الإجتماعي بالفايسبوك :
“الفصل 5 الذي أسال كثيرا من الحبر، ومع ذلك بقيت مآخذ جافّة ..قاحلة.. تركت المجال مفتوحا إلى أن تحدّث الجميع في الموضوع.. واليوم أقول:
ـــ يبدو أنّ مفهوم المقاصد ظلّ هلاميا عند جلّ من قارب الفصل بالنقد..والسبب بسيط ، إذ يعود إلى أنّه مصطلح ” بدعة” يجهله القدامى قبل المعاصرين.. أقول بدعة لأنّه يندرج في صلب اللعبة الفقهية، وخاصّة عندما تصطدم أحكامها بحقيقة ثابتة، وهي أنّها أحكام بعيدة عن الطابع القدسي الذي سعى الفقهاء إلى أن تكون عليه اجتهاداتهم.. فالفكر الديني نشأ على معادلة أحاول تبسيطها:
1ــ التسليم بأنّ القرآن تحدّث في كلّ شيء. ولم يترك شاردة أو واردة إلاّ وأوثقها بحكم: وحذار فهذه مسلّمة ، وكلّ من يعمل على التشكيك فيها هو من أهل الزيغ والضلال
2ـــ على مؤسسة الفقهاء أن تبحث عن الطبيعة القدسية لهذه الأحكام: ويقول الفقهاء ” هناك ما نزل صريحا” وهناك أحكام تندرج فيما أراد الله أن يقول، ويعبّرون عن ذلك ” ما قصده الله ولم يقله صراحة” ..طبعا مثل هذا الموقف ينقص من قدرة الله.. فالله خالق الكلمة ولا يمكن بأيّ حال أن تعجزه العبارة حتى ينتظر من بني آدم أن يعبّروا نيابة عنه..
ومن هنا يبدأ الانزياح في تفسير النص القرآني.. ومن هنا يبدأ الانزياح في إنتاج الحكم الفقهي.. إذ من هو المؤهّل لقراءة النصّ؟ الفقيه..ومن القادر على صناعة الحكم الفقهي ؟ الفقيه..وفي النهاية يلبسه جبّة القداسة .. وكأنّ المنتوج ليس ثقافيا بحتا.. بما أنّ ” الله أراد أن يقول ذلك”
أمكن بذلك لماكينة الفقه أن تظلّ تشتغل دون توقّف.. مهما ابتعدنا في الزمن أو افترقنا في المكان.. وأمكن لسلطة هي مؤسسة دينية أن تُنصّب بمثابة المظلّة لتحمي المؤمن من قيظ الخوف من الزيغ وخيانة الله فيما يقصد.. وحذار مرّة أخرى.. لا يملك هذا الصكّ سوى الإمام ومن يفوضه فقيها مشرّعا.
هذا ببساطة مفهوم المقصد / المقاصد التي احتمى بها الفقهاء القدامى منذ بداية القرن 3 هــ ، عندما أدركوا أنّ النصّ القرآنيّ أو حتى ما أُثِر من أخبار عن الرسول صارت قاصرة عن الاستجابة إلى نوازل جديدة فرضتها طبيعة اجتماع إسلامي صار خليطا من مجتمعات أخرى ولها عقائد سماوية سابقة له..
وظلّت عبارة مقاصد الشريعة متلازمة مع المسلمين طيلة هذه القرون.. والغريب أن المسلم يتلذّذ بإعلان انتمائه إليها ، بل لا يجد حرجا في إعلان الولاء لها والانضمام إلى رايتها.. وكان هذا المسلم كلّما اشتدّ فزعه هرع إلى هذه البدعة طلبا للحماية…وكم كثر التجاؤه إليها خاصّة بعد ظهور الوهابية وبعد الاصطدام بتقدّم الغرب وتأخر المسلمين…وبعد نشأة الحركات الإصلاحية .. ليقتنصها الإخوان المسلمون ويجعلوا منها تأشيرة الدخول إلى أذهان الناس.. قامت دول سمّيت بالعربية الإسلامية..كان لزاما أن يتلازم مع إعلان الشهادتين أن تؤدّي هذه الدول اليمين أيضا بالتزامها بمنهج مقاصد الشريعة حتى لا تضيع عن الصراط المستقيم .. وهو صراط يضمن للرعية الخُلد في جنات النعيم..
وتلك هي طبيعة الدساتير الإسلامية..دساتير تتنكّر للحداثة وترتمي في أحضان البداوة..
وفي جميع ما أبنّا فإنّ النصّ براء من هذا الهلع ..وبراء من الاحتماء بتفكير اقتضته عصور ماضية ولا يحتاج إليها واقعنا الراهن..ومع ذلك ظلّ المسلم الحاكم والمسلم العاميّ يتلذّذان بهذه الخدعة التي ابتدعاها.
هذه توطئتي… وهذي الحصيرة اللي باش نقعدو فوقها.. فرشتلكم القعدة..
وغدا أتوقّف عند الفصل 5 لا غير ..لأنّي أعتبره فصلا تنّينا وضع لالتهام الدولة الحديثة..وسأبيّن ذلك”.
شارك رأيك