منذ بداية 2018 و حتى الآن تم تسجيل هجرة ما يربو عن 15 ألف من المهارات التونسية البلاد نحو الخارج. وبحسب أرقام مكتب التونسيين بالخارج للفترة من جانفي إلى أوت 2018، فإن 14 ألف و250 “متخصصين معلنين” قد هاجروا تونس نحو وُجهات خارجية مختلفة.
بقلم عمّار قـردود
والمثير في هذا الأمر أن هذه “الأدمغة التونسية” التي يتم إغراؤها بالأموال والمناخين العلمي والعملي المناسبين تُقدم على الهجرة نحو الخارج دون المرور عبر القنوات الرسمية. والبلدان المستهدفة من قبل “هجرة المهارات العلمية التونسية” هذه هي بشكل أساسي أوروبا (وخاصة فرنسا وألمانيا) ودول الخليج وكندا.
تونس الثانية عربيًا في هجرة الأدمغة !
المهن التي تشارك في هذا النزوح هي كبار المديرين (8200)، والمعلمين (2300)، والمهندسين (2300)، والأطباء (630)، وعلماء الكمبيوتر (450) والصيادلة (370).
كشف تقرير التنمية البشرية للعالم العربي الصادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، مطلع العام الجاري، أن تونس تأتي في المركز الثاني عربيًا من حيث هجرة الأدمغة إلى الخارج. وقدرت المنظمة عدد الكفاءات العلمية التونسية التي هاجرت إلى الخارج منذ اندلاع الثورة التونسيّة في 2011 وحتى إلى 2017 بــ94 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 25 و45 سنة، 84% منها غادرت باتجاه الدول الأوروبية.
وأشار ذات التقرير إلى أنّه منذ 2011 ارتفع عدد التونسيين من ذوي الاختصاصات المهمّة كالطبّ والصيدلة والهندسة الذين غادروا البلاد للعمل بالخارج، يضاف إليهم الطلبة التونسيون البالغ عددهم حوالي 60 ألفًا من المحتمل ألا يعود عدد منهم إلى تونس بعد إتمام دراستهم الجامعية في أوروبا.
الجامعات التونسية “تصحّرت” من كفاءاتها!
هذا و شهدت هجرة الأساتذة الجامعيين تطوّرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة بلغت 8 آلاف إطار من التعليم الجامعي من بينهم 1464 أستاذًا جامعيًا. وبالنسبة للكفاءات التونسية من العلماء ذكرت إحصائية سابقة أنّ عددهم يقارب 4200 عالم وان فرنسا استقطبت 31% منهم تليها كندا بـ 3% ثم الولايات المتحدة بـ 11% ثمّ ألمانيا بـ10%، وحسب موقع “مهاجر نيوز”هناك من العلماء التونسيين من يعمل بوكالة الفضاء الأمريكية وبمخابر الفيزياء النووية بالولايات المتحدة وبمخابر علميّة أوروبية وكندية.
وأرجع التقرير هجرة الكفاءات لأسباب مادية بحتة أمام تدني الرواتب في تونس مقارنة بالإغراءات المادية المعروضة في المؤسسات الأجنبية.
يذكر أنّ تقريرا لعمادة المهندسين التونسيين كان قد أشار إلى أن معدّل أجور المهندسين في المغرب يُساوي 4 أضعاف متوسط أجور المهندسين في تونس وأنه يساوي الضعف في الأردن أما في بلدان الإستقطاب مثل فرنسا وبلجيكا وكندا فيساوي الأجر 6 أضعاف ونصف الأجر في تونس.
السبب الثاني يتعلّق بالمناخ العلمي المريح والمتطوّر الذي تتيحه بلدان الإقامة للباحثين وما يتوفّر فيه من وسائل البحث العلمي وفق نفس التقرير الذي أشار أيضا إلى البطالة التي تمسّ أصحاب الشهائد العليا من بينهم 4740 مهندسًا و1500 طبيب – إحصائيات 2016- وكذلك البيئة العلمية والثقافية والاجتماعيّة التي لا تولي في تونس قيمة للمتميّزين من الخرّيجين ولا تثمّن تألّقهم في العمل. ويبرز التقرير انه لا وجود لمخابر بحث تستقطب الباحثين برواتب مغرية وتوفّر لهم مستوى عيش مناسب وحتّى إن وُجدت هذه المخابر فهي تفتقر إلى الإمكانيات المادية والأكاديمية التي تضمن بيئة علمية ملائمة تساهم في نجاح البحوث التي يقوم بها هؤلاء.
وكشفت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في دراسة لها، أن التركيبة السكانية للتونسيين المقيمين بالخارج يغلب عليها كثرة الشبان المتعلمين والمتحصلين على شهائد جامعية شاملة لعدة اختصاصات، وأن هذه التحولات رافقها ارتفاع في عدد رجال الأعمال والباحثين والكفاءات العلمية.
وأضافت المنظمة أنه تم تسجيل تحولات نوعية وكمية لتوجه المهاجرين التونسيين في السنوات الأخيرة وذلك من أوروبا التقليدية التي كانت تستأثر بنحو 84% من نسبة المهاجرين، إلى دول الخليج العربي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.
80 بالمائة من الأساتذة الجامعيين في تونس ينوون الهجرة
وكشفت كتابة الدولة للهجرة والتونسيين بالخارج بأن حوالي 90 ألف كفاءة تونسية أي بنسبة 80% هاجرت، كان النصيب الأوفر من عدد المهاجرين في صفوف الأساتذة الجامعيين والباحثين، الذين تصدروا المرتبة الأولى بنسبة 24% أي ما يقدر بـ 25 ألف أستاذ استقروا في خارج البلاد التونسية.
وسجل اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين، بعد ثورة الياسمين، هجرة ثلث الجامعيين، مشيرًا إلى أن عدد الجامعيين في تونس يقدر بـ12 ألف أستاذ، بينهم 4 ألاف أستاذ هاجروا إلى دول الخليج أو نحو الدول الأوروبية.وكشف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في دراسة أجراها مؤخرا أن 4 ألاف أستاذ جامعي هاجروا إلى الخارج، وأن 80% من الأساتذة الجامعيين ينوون الهجرة.
استراتيجية متكاملة لاستقطاب الكفاءات التونسية العاملة بالخارج
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد دق ناقوس الخطر وحذر خلال إشرافه على ندوة “تونس 2030 البحث والتجديد طريقنا نحو التكنولوجيا الحديثة والقطاعات الواعدة أي دور الكفاءات التونسية بالخارج؟”، التي عقدت في أوت المنصرم،
من مخاطر هجرة الكفاءات نحو الخارج، مضيفًا بأن الحكومة بصدد بلورة استراتيجية متكاملة لاستقطاب الكفاءات التونسية العاملة بالخارج، من أجل مشاركتها في بناء تونس الجديدة والمساهمة في النهوض بالاقتصاد التونسي.
ودعا الشاهد خلال اللقاء إلى ضرورة العمل على تعبئة الكفاءات التونسية في المهجر عبر اتخاذ العديد من الإجراءات المبنية على الثقة وتمتين العلاقة مع ما لا يقل عن 8233 إطارًا يعملون خارج حدود الوطن، من مهندسين وجامعيين وأطباء ومحامين وباحثين وقرابة 1200 رجل وسيدة أعمال.
شارك رأيك