منفذ العملية الإرهابية مساء الثلاثاء الفائت شريف شيخات قتل أمس مساءا من طرف البوليس الفرنسي.
قبل اندلاع الإحتجاجات بفرنسا، سعى النظام القائم إلى تنظيم ما سمّاه مؤتمرات أو جلسات الإسلام الفرنسي. لقد شعر، لا محالة، بإرهاصات الأزمة التي عصفت بعد قليل من بداية هذه المبادرة بكامل التراب الفرنسي ولمّا تنتهي بعد. وها هي الأمور تتأزّم ظاهريا بجريمة إرهابية جديدة في شرق البلاد هذه المرّة يلعب فيها الإسلام الدور الذي يتقمّصه، على الأقل في رأي عديد الغربيين، كدين إرهابي منذ مدّة.
بقلم فرحات عثمان *
إن ما يحدث بفرنسا لهو الدليل على الارتباط الوثيق بين أمن البلاد فيها وحال الإسلام بها. على أنه، لئن كان الإسلام فعلا من بين أسباب الأزمة الفرنسية الحالية، فليس ذلك كما يعتقده أهل الحل والعقد بها. نبيّن هذا هنا مع التأكيد على ارتباط وضع الإسلام بفرنسا بوضعه بالبلاد الإسلامية، خاصة ببلادنا تونس رغم محدودية جاليتها بفرنسا. مع العلم أن مستشار الرئيس الفرنسي في قضية إصلاح الإسلام الفرنسي هو تونسي الأصل.
هذا يبيّن أكثر مدى ارتباط مصير البلدين وتجليات الإسلام بهما؛ فلا سلام لفرنسا بدون سلام لتونس، كما أنه لا سلام في إسلام البلدين بدون إصلاحٍ جذريٍ لا مجال لأن يقتصر على فرنسا فتُنسى حاله المزرية في تونس؛ لأنه عندها لن يتم بتاتا، لا هنا ولا هناك. ذلك أن مستقبل الإسلام بتونس وبفرنسا لهو شديد الارتباط، لا حل لأزمته بالبلاد الفرنسية إذا تجاهل هذا البلد حاله بتونس. فكل ما لا يتمّ القيام به من تجديد جدّي وعملي للفكر الإسلامي بتونس يكون ضرّه لا بتونس فقط، بل بالغرب أيضا، وعلى رأسه فرنسا، أقرب الأرضين الغربية من تونس وشعبها.
الإصلاح الديني واستقلال السلطة الدينية:
إنه من الخطأ الفاحش السعي للموازنة بين ما عاشته المسيحية من إصلاح ديني وما يُراد مثله في الإسلام. ذلك لأن الإسلام يختلف أولا على المسيحية بانعدام سلطة الكنسية به؛ فلا إكليروس في الإسلام؛ وحتى الفقهاء الذي يزعمون الكلام باسم الدين لا سلطة لهم إلا سياسية، هي سلطوية في غالب الأحيان، وتبقى معنوية لا غير عند عموم المسلمين.
من ناحية أخرى، يقتضي الإصلاح الديني تمام استقلال السلطة الدينية عن السياسة والمؤسسات القائمة بالبلاد؛ وليست هذه الحال بالبلاد الإسلامية، إذ الدين من أهم امتيازات السلط القائمة. هذا، بالإضافة إلى أن الإسلام أصبح قضية عالمية لا تهم بلاد الإسلام وحدها، والسلطات القائمة بها فقط، بل من يدعمها أيضا من القوى الامبريالية. وذلك ما يجعل من الإسلام سلاحا بين أيدى الساسة يسيطرون به على عقول الغُفّل من الناس، فيهيمنون به على التجليات السياسية بالبلاد، سواء منها تلك التي تدّعي تطبيق الاسلام تطبيقا متزمتا أو التي تسعى للاعتراض على مثل هذا التوحش. الشيء الذي لا يمنع، للأسف، البعض ممن لا أخلاق له ولا احترام للقانون من التلاعب بالاسلام وبأهله إلى حدّ استغلال الشباب المُغرّر بهم لتشجيعهم على العمل الإرهابي.
سلاح الدين في خدمة النوايا الدنيوية:
قلنا إن الإسلام اليوم أصبح قضية عالمية لتحكّم السياسة فيه، لا في بلاد الإسلام وحدها فحسب، بل وأيضا في البلدان الامبريالية التي تتحكم في مصير تلك الدول عبر ساستها. ولا شك أن المثال التونسي لهو أكبر الدليل على ذلك، بما أن الغرب، بعد أن استوفى غاياته من الديكتاتور بن علي، تخلّص منه، راميا به كالنواة، ليضع مكانه على سدّة الحكم من يدّعي الإسلام، لا لشيء إلا لخدمةٍ أفضل لمصالحه المركنتيلية.
فالدين، منذ القدم، أفيون الشعوب؛ وهذه حال الإسلام اليوم، لأن رأس المال الغربي ورجال الحرب فيه يستعملونه في نطاق مصالحم الإستراتيجية العسكرية والمالية بعد تحالفهم مع الإسلامويين من أهل التزمت الإسلامي. فكما كانت البروتستنطينية أفضل الدعم لظهور الرأسمالية ودعمها، فالإسلام الدعيّ، أي إسلام أهل التزمّت، يسعى اليوم في ركاب نموّ الرأسمالية وازدهارها في بلاد الجنوب الإسلامية. لتبيّن ذلك، يكفي النظر إلى الثروات الهامة التي ظهرت بتونس والتي على رأسها إسلاميون، وشدّة نهمهم للمزيد من الأموال، بما فيها خاصة المشاريع التجارية. لهذا أصبحت تونس سوقا تجارية يُباع فيها كل شيء بأبخس الأسوام، خاصة الدين الصحيح ومكارم الأخلاق.
لهذا، حتّى يُقدّر النجاح للإسلام المُزمع إصلاح تجلياته بفرنسا ليُصبح إسلاما فرنسيا مسالما، لا بدّ من السعي في نفس الآن، أو حتّى قبل ذلك، لإصلاحه بتونس، أقرب البلدان الإسلامية من فرنسا، لا فقط جغرافيا وتاريخيا، بل أيضا وخاصة من زاوية التعلّق بمبادئ الإناسة والعدل وحقوق الإنسان والسلام، الأسس التي لا مناص منها لأجل تجارة نافقة، في نموّ مطّرد لا تشوبه منغّصات أو عوائق.
فالتونسي مسالم بطبعه، في غالبية صفوف شعبه؛ وهو متفتّح على الآخر في حدود عدم رفضه من طرفه كما يفعل الغرب اليوم. لذا، من المتوجّب استغلال مثل هذه الخصال الهامّة قبل أن تذوب تحت وطأة تغلغل الإسلام الجاهلي في البلاد فيكون النجاح أيضا حليف السعي الفرنسي لنفس الغاية، إذ في الوقت الذي يساعد فيه على الإسراع بإصلاح الإسلام التونسي، يضمن سهولة وسرعة النجاح في إصلاحه بفرنسا نفسها، نظرا لترابط المصالح بين البلدين، وقد زادتها العولمة وثوقا؛ وهي التي لا مجال للخلاص منها ومن مقتضياتها اليوم.
على أن هذا ليس بالسهل بتاتا، إذ هناك العديد من العوامل والمؤثرات التي رسبت منذ القديم في المتخيّل الشعبي واللاوعي الجماعي بكلا البدين، ما من شأنه أن يعقّد مهمّة الخلاص من كل ما فسد في الأخذ بالدين الصحيح وبالسياسة الفهيمة من الجهتين، سواء الإسلام بالبلاد التونسية أو النصرانية واليهودية بفرنسا. فقد ميّز السياسة في البلدين عامل أيديولوجي هام عرقل، ولا يزال، التطوّر السلسل للفهم الديني، ألا وهي الطبيعة السلطوية للحكم فيهما، ولو أن التجليات اختلفت من بلد إلى آخر. سنعرض لهذا في الحلقة الأخيرة من هذه الثلاثية، وهي في أهمّية طبيعة النظام الحاكم، وبخاصة تجلياتها العسكرية.
* ديبلوماسي سابق و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس:
اليوم العالمي لحقوق الإنسان : إبطال تجريم المثلية بتونس الآن!
حديث الجمعة: مقتل الخليفة عثمان، جناية الإسلام السياسي الأولى
شارك رأيك