أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية يوم 23 جانفي من كل عام عيدًا وطنيًا لإلغاء العبودية، وجاء اختيار هذا اليوم لأنه تم فيه إلغاء العبودية، رسميًا، في تونس قبل 173 عامًا تحديدًا في 23 جانفي 1846.
بقلم عمّـار قردود
تم ذلك خلال لقاء الرئيس السبسي صباح اليوم الثلاثاء 22 جانفي برئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص روضة العبيدي التي قالت: “باعتبار أن تونس قامت في هذا اليوم بإلغاء العبودية والرق عام 1846 لتكون أول بلد عربي ومسلم ومن أوائل الدول في العالم الذي تقوم بهذا الإجراء.”
وكانت الهيئة حذرت من تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، حيث سجلت عام 2017 حوالي 750 حالة، وتتعلق هذه الحالات بجرائم استغلال اقتصادي وجنسي، لاسيما ضد الأطفال والنساء. كما طالبت بسن قانون لتنظيم عمل مكاتب التوظيف والتشغيل لحماية التونسيات العاملات في الخارج.
أنت تونسي، إذاً فأنت حرًا…
لقد بادر حاكم تونس المشير الأول أحمد باشا باي (1837-1855م) وألغى العبودية بشكل نهائي في تونس سنة 1846 قبل الإعلان العالمي الصادر في لندن سنة 1848 الذي نصّ على إلغاء الرق، وقبل إلغاء الرق وعتق العبيد بتونس أصدر أحمد باي الأول في 6 سبتمبر 1841 أمرًا يقضي بمنع الإتجار في الرقيق وبيعهم في أسواق تونس- التي كانت مملكة آنذاك – كما أمر بهدم الدكاكين التي كانت معدة في ذلك الوقت لجلوس العبيد بالبركة (سوق الصاغة حاليًا) ثم أصدر أمرًا في ديسمبر 1842 يعتبر من يولد بالتراب التونسي حرًا ولا يباع ولا يشترى.
قرار إلغاء العبودية الصادر في 23 جانفي 1846.
و جاء في الأمر : “أحمد باشا باي أصدر أمره المؤرّخ في 25 محرّم الحرام سنة 1262 (23 جانفي 1846) بإبطال العبودية من المملكة – تونس آنذاك – مراعاة لما تهم مراعاته من المصالح الدينية والإنسانية والسياسية وأنه ومن خلفه من أسلافنا المقدّسين حكموا بإبطال الأسواق التي كان يقع بها بيع العبيد عتق كلّ من يفد للملكة علي حالة الملكيّة وأصدروا الإذن للعمّال أن ينهوا إلى الوزارة ما يبلغهم من المخالفات المتعلّقة بالملكيّة وحذّروهم من طائلة التّغافل، كما لا يخفى أنّ جناب وزيرنا الأكبر كان أصدر للعمّال بمقتضى إذن من حضرتنا مكتوبا مؤرّخا في 5 رجب 1304 (29 جوان 1887) يتضمّن لزوم العمل بمقتضى الأحكام المشار إليها. ولمّا كانت المقاصد الجليلة التي بني عليها الأمر المؤرّخ في 25 المحرّم سنة 1262 (23 جانفي 1846) ممّا يهمّنا إدراكها وكان من المفيد أيضا أن نجمع في أمر واحد جميع الأحكام المتعلّقة بإبطال العبوديّة بمملكتنا ومعاقبة من يخالفها.”
و نصّ قرار إلغاء العبودية على أنه: “لا عبوديّة بمملكتنا – تونس يومذاك – ولا يجوز وقوعها فيها، فكلّ إنسان حرّ مهما كان جنسه أو لونه ومن يقع عليه ما يمنع حريّته أو يخالفها، فله أن يرفع أمره للمحاكم”. و أضاف : “مستخدمو السّودان أو السودانيّات في مملكتنا يلزمهم في مدّة ثلاثة أشهر من تاريخ صدور أمرنا هذا أن يعطوا من لم يعط إلى الآن ممّن ذكر حجّة بالعدالة مكتوبة عن إذن القاضي بالمكان أو العامل أو نائبه تقتضي أنّه حرّ غير مملوك ومصروف الحجّة المذكورة علي المخدوم”. و أن “من خالف أحكام الفصل السّابق تعاقبه المحاكم الفرنسويّة إن كان أجنبيّا أو المحاكم التونسيّة إن كان تونسيّا بخطيّة قدرها من ريالات 200 إلى ريالات 2000″، و أن” من يثبت عليه أنّه اشترى إنسانا أو باعه أو حازه بوجه الملكيّة يعاقب بالسّجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنين”. و أن “الفصل 463 من قانون الجنايات الفرنسوي تجري أحكامه علي المخالفات المبيّنة بأمرنا هذا، والفصل 58 من القانون المذكور تجري أحكامه علي من تكرّر منه المخالفات المذكورة.”
و تذكر بعض المصادر التاريخية أنه بعد إلغاء بريطانيا للرقّ سنة 1833 تأسست بها سنة 1839 جمعية “تحرير العبيد ” التي كان لها تأثير واضح في إقناع الكثير من الدول الأوروبية بالأمر، وفي هذا الاطار زار قنصل بريطاني تونس في 29 أفريل سنة 1841 بهدف اقناع أحمد باي بفكرة إلغاء الرقّ ومساوئ الاستعباد فأدهشه أن لم يجد في قصر هذا الباي الحاكم أي اثر للعبيد وازدادت دهشته أكثر عندما وجد أن الباي مقتنع تمام الاقتناع بما يطرحه عليه من أفكار حديثة.
الباجي قايد السبسي يلتقي بروضة العبيدي.
إذًا سيحتفل الشعب التونسي بكامل أطيافه السياسية و مكوناته العرقية و الدينية غدًا الأربعاء بأول عيد وطني لإلغاء العبودية في البلاد التونسية،و ذلك في إنجاز جديد يُضاف إلى سلسلة الإنجازات الهامة و المثيرة للإعجاب التي تُحسب لتونس التي لا تألو جهدًا من أجل تعزيز منظومة حقوق الانسان.و يجرّم القانون التونسي الإتجار بالبشر من خلال مجلة الإجراءات الجزائية وقانون الشغل ومجلة حماية المرأة والطفل.
و كانت تونس قد سنت في 2016 قانون مكافحة الإتجار بالبشر وأحدثت هيئة لمكافحته وفقًا لمعايير دولية ليشمل مختلف الجوانب، من ذلك الإتجار بالأعضاء البشرية والأجنة والأنسجة والأمشاج أو أجزاء منها وكل الأعمال التي تصب في خانة العبودية والرق. وينص القانون المذكور على عقوبات صارمة للجناة وتكفل الدولة بالضحايا.
وفي جوان 2016 صادق البرلمان التونسي على مشروع قانون القضاء على جميع أشكال الميز العنصري الذي حدد جملة من العقوبات لمرتكبيه تصل إلى السجن.
https://www.facebook.com/Presidence.tn/videos/293223798045780/?t=0
شارك رأيك