شاركت تونس بعاصمة النيجر نيامي في إجتماعات المائدة المستديرة التي نظمتها المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع الداخلية النيجرية لـمدة 3 أيام و إختتمت أمس الخميس 31 جانفي 2019. وهي الإجتماعات التي تم فيها بحث آليات تفعيل التعاون وتعزيز الجهود المشتركة بين تونس و ليبيا والنيجر والسودان وتشاد ومالي في مجالات أمن الحدود والهجرة غير القانونية وتعزيز أنظمة المراقبة الأمنية والصحية على امتداد مسار البحر الأبيض المتوسط.
من الجزائر: عمّــار قـردود
وأقر المجتمعون مجموعة من الإجراءات والتوصيات في مجالات الأمن والصحة، أبرزها تحديد الجهات الفاعلة المسؤولة عن اتفاقات إدارة الحدود الثنائية والمتعددة الأطراف، وتوعية السكان بمخاطر الهجرة غير القانونية، وتعزيز القدرات العملية لقوات الدفاع والأمن والبحث والإنقاذ ومراقبة الحدود وتنسيق الإجراءات وتحسين تبادل المعلومات في مجال مكافحة الجريمة العابرة للحدود، وإنشاء أمانة دائمة لتنفيذ خطة عمل طرابلس.
أمريكا تُنفق نحو 20 مليون دولار لتوفير الأمن على الحدود التونسية الليبية
و كان مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط قد تطرق إلى موضوع الحدود التونسية الليبية بإسهاب في مقال بعنوان “الحدود التونسية-الليبية: بين أُمنيات الأمن والحقائق الاجتماعية- الاقتصادية” تم نشره في أكتوبر الماضي من إعداد فريدريك ويريو كاثرين بولوك جاء فيه: “لطالما كانت الحدود التونسية-الليبية المعبر الرئيس للإتجار غير المشروع بالسلع والبشر. وتُنفق وزارة الدفاع الأميركية، في إطار الجهود لتوفير الأمن على هذه الحدود، نحو 20 مليون دولار على مجسّات وكاميرات متطوّرة؛ وهو مبلغ يُسحب من صندوق مشترك أسسته الوزارة مع ألمانيا في سبتمبر 2017. على رغم ذلك، ومثله مثل كل الجهود التي بُذلت حتى اللحظة، لايُنتظر أن يُعالج هذا المسعى الجديد انفلات الأوضاع المُزمن على الحدود، ولا أن يستأصل الأسباب العميقة لفقدان الأمن هناك. لماذا؟ لأن التركيز وحسب على تحصين الحدود، يقفز فوق الحقائق الاجتماعية- الاقتصادية الكامنة في تلك المنطقة، حيث لاتزال عملية عبور الحدود وسيلة عيش ومصدر رزق رئيس للسكان. ولذا، سيتطلّب أي حل له حظ من الديمومة مقاربة أوسع، تنطوي على إقامة مؤسسات إصلاحية، وتوفير فرص تنمية بديلة، ومكافحة الفساد، وترقية سياسات التجارة الثنائية”.
ويمثّل الإقتصاد غير الرسمي التونسي، وفق العديد من التقارير، بحسب المقال “ما بين 39 و50 في المئة من الداخل المحلي الإجمالي، فيما يتركز أكثر من نصف النقود المتداولة في ليبيا في القطاع غير الرسمي. وبالتالي، ليس مفاجئاً أن تكون التجارة الثنائية غير الرسمية عاملاً مهماً لكلا البلدين، حيث قدّرها البنك الدولي بنحو 498 مليون دولار في العام 2015، بينها زهاء 200 مليون دولار للسجائر، و148 مليون دولار للوقود، و150 مليون دولار لسلع أخرى. وفيما تراجع تهريب بعض السلع الإستهلاكية (الإلكترونيات، والملابس، والأدوات المنزلية) في الفترة بين 2013 و2015، كانت هناك زيادة ملحوظة في تهريب التبغ والوقود خلال الفترة نفسها. علاوة على ذلك، يُعتقد أن حجم الأسواق كبير: على سبيل المثال 40 في المئة من لفائف السجائر المهرّبة التي يتم استهلاكها سنوياً في تونس، تأتي من ليبيا، فيما شكّل الوقود المهرّب عبر الحدود 17 في المئة من استهلاك تونس في العام 2014”.
إجراءات الحكومة التونسية أدّت إلى تفاقم تجارة التهريب على الحدود مع ليبيا
و”في حين يعزو البنك الدولي تراجع تهريب بعض السلع إلى التدابير الأمنية عبر الحدود، إلا أن سياسات تونسية أخرى أدّت، على العكس، إلى تفاقم تجارة التهريب. ومما يزيد الطين بلّة نقص التواصل بين قوات الأمن والجيش التونسيين، إذ يُقال أن الجيش يتمنّع عن مشاطرة قوات الأمن التونسية الأخرى المعدات والمعلومات (التي يحصل عليها من مساعدات أجنبية)، مايعيق عمل الدوريات عبر الحدود. كذلك، تُعرقل الميليشيات الليبية، التي تجني غالباً أرباحها مباشرة من التجارة غير الشرعية، جهود الحكومة الليبية في هذا الصدد”.
وأفاد المقال بأنه و “منذ العام 2011، أحبطت الميليشيات المتنافسة العاملة على طول الحدود في ليبيا (يُقدّر عددها بنحو 15 ميلشيا) الجهود لتعزيز أمن الحدود، وازدادت تنافساتها ضراوة على أرباح التهريب، بسبب غياب وجود رد فعل موحّد من الحكومة الليبية”.
وبالرغم من الوضع الأمني المتدهور على الحدود بين تونس و ليبيا، يقول المقال: “لايعتبر العديد من السكان التونسيين والليبيين القاطنين على طرفي الحدود توسّع الجهود الأمنية تطوراً إيجابيًا. على سبيل المثال، قال الكثير ممّن استُمزجت آراؤهم في استطلاع أُجري العام 2016 في بلدتي الذهيبة وبنقردان التونسيتين الحدوديتين، إن إحكام القيود وغياب التنمية المحلية يشكلان خطراً أكبر من الحركة الجهادية. وهذا يعود إلى أن 90.2 من السكان في بنقردان و89.6 في المئة من قاطني ذهيبة يُطلّون على الحدود بكونها مورداً ماليًا”. وأضاف “أدى نفور السكان الليبيين والتونسيين من عمليات إغلاق الحدود وإنفاذ الأمن فيها، إلى اندلاع احتجاجات متتالية، وتفاقم ظواهر الغضب والحنق، وصولاً حتى إلى نشوب أعمال عنف. وكما لاحظ تقرير للبنك الدولي في العام 2017، تُعتبر السلع المهرّبة والتجارة غير المشروعة في البلدات الحدودية الليبية- التونسية مورد رزق أساسيا، خاصة في ظل صعوبة الحصول على وظائف أو موارد دخل بديلة”.
ألمانيا ساهمت بنحو 41 مليون دولار لتوفير أجهزة مراقبة ورصد مُتحركة على الحدود التونسية الليبية
و أشار المقال إلى الجهود الدولية للمساعدة في تأمين الحدود التونسية الليبية: “تُواصل وكالة خفض التهديدات الدفاعية التابعة للحكومة الأميركية استخدام منحة قُدِّمت العام 2016 بقيمة 24.9 مليون دولار، لإقامة نظام مراقبة أمنية إلكترونية على طول الحاجز الذي يغطّي نحو نصف طول الحدود. وفي غضون السنوات القليلة الماضية، كانت ألمانيا هي الأخرى تساهم في هذا الجهد، وقدّمت زهاء 41 مليون دولار لتوفير أجهزة مراقبة ورصد مُتحركة. أما الحاجز، الذي بنته تونس بمساعدة وكالة خفض التهديدات، فهو كناية عن نظام من المتاريس يشمل أكواماً رملية، وخنادق مليئة بالماء، وأسوارًا.
إضافةً إلى هذا الجهد الأميركي-الألماني المشترك، ينخرط الإتحاد الأوروبي في جانب من جهود المساعدة في مجال الأمن الحدودي. ففي 26نوفمبر2017، طرحت بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إدارة الحدود في ليبيا ورقة مفاهيمية تُحدد مقاربتها للأمن بمعناه الواسع ولكيفية إدارة الإصلاح في ليبيا. وفي 14 فبراير، وقّع كلٌ من رئيس بعثة المساعدة، فنسنزو تاغليافيري، ووزير العدل الليبي، محمد عبد الواحد عبد الحميد، مذكرة تفاهم تُضفي الطابع الرسمي على التعاون الثنائي. هذه الاتفاقية توسّع صلاحيات بعثة المساعدة بهدف ‘تكريس الأسس الراسخة لحكم القانون في ليبيا’، كما تزوّدها بانتداب أشمل لمساعدة وزارة العدل الليبية وباقي الهيئات المُعتمدة عليها. وقد منح الإتحاد الأوروبي البعثة 20 مليون دولار لمدة 16 شهراً لدعم هذه الصلاحية. وفي هذه الأثناء، عقدت البعثة مع وزارة الداخلية الليبية اجتماعاً تنسيقياً لمكافحة الجريمة المنظّمة والخطيرة، بما في ذلك التهريب والمتاجرة غير المشروعة”.
وخلُص المقال إلى أنه “على كل حال، لايزال ثمة الكثير للقيام به في كلٍّ من الحلبتين الأمنية والاقتصادية. أما التركيز على الجانب الأمني وحسب، فسيفشل في الحد من التهريب والإتجار غير المشروع، وستكون له تأثيرات سلبية واسعة النطاق على معيشة مواطني الحدود. إذ هو سيهدّد في خاتمة المطاف الإستقرار الإقليمي كنتيجة لتفاقم التنافس بين الميليشيات، واندلاع الإحتجاجات العنيفة، وحتى عودة الحركات الجهادية مجدداً إلى السلاح، بسبب غياب الفرص الاقتصادية البديلة. يجب أن تترافق المساعدات الأمنية الدولية مع استراتيجية اجتماعية- اقتصادية، ومع إيلاء اهتمام أكبر لإصلاح المؤسسات الأمنية، ومكافحة الفساد، وفي حالة ليبيا دعم المصالحة السياسية الوطنية”.
مقال مركز “كارنيغي” عن الحدود التونسية الليبية كاملاً.
الحدود التونسية-الليبية: بين أُمنيات الأمن والحقائق الإجتماعية- الاقتصادية – مركز كارنيغي للشرق الأوسط – مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
شارك رأيك