الثلوج كانت غزيرة هذا الشتاء بمكثر أحد معاقل الحضارة الرومانية بتونس.
بين عيد الحب في صيغته التجارية الحديثة وبين عيد التبرك بخصوبة القطيع (قرة العنز) وبين إحياء ذكرى القديس فالنتاين المدافع على حق الجنود في الحب والزواج يكون يوم 14 فيفري هو اليوم الذي يختار فيه العصفور عصفورته والحبيب حبيبته ليستقبلا معا فصل الربيع.
بقلم سمير مصالي *
بعد عدة أيام من التقلبات الجوية حيث كان الطقس فيها كثير التقلب في اليوم الواحد بين مطر وبرد وشمس بازغة لم يختلف يوم الخميس 14 فيفري 2019 عن سابقيه.
في هذا اليوم ألقى الموظف كعادته نظرة على اليومية الجاثمة فوق مكتبه وقرأ في أسفل الورقة “قرة العنز، مصطلح فلاحي تقليدي”.
طبعا لم يجد أسفل الورقة عبارة “عيد الحب” لأنه حسب البعض هو ليس بعيدنا وهو تقليد للغرب الكافر ولا يجوز الإحتفال به رغم ما ذهب إليه بعض الأئمة في خلاف ذلك. ولن يجد أيضا عبارة “اليوم العالمي للحب” الى حين أن تعترف به رسميا هيئة الأمم المتحدة وهي المنشغلة دائما بالحرب. وبين الحب والحرب حرف واحد.
هو يوم للحب. حب من حب وكره من كره. فرح فيه من فرح بهدية أو بلقاء أو بقبلة أو باعتراف رقيق وفرح به أيضا بائع ورد الذي حصل فيه على مدخول هو من الأهمية ما أعاد اليه الأمل أنه يمكن ان يواصل تجارته في زمن قل فيه شأن الورد. وسعد فيه كذلك تاجر هدايا وصاحب مطعم بمردود استثنائي في زمن الكساد الاقتصادي. وكان مع الأسف يوما حزينا، حزن اليتيم في عيد الأمهات، لمن لم يلتق بعد بمن يحب أوبمن يحبه.
لنعد للمصطلح الفلاحي التقليدي ف”قرة العنز” حسب التقويم الفلاحي المعتمد بالمغرب العربي عموما، هو يوم أو عدة أيام يبلغ فيها البرد أشده يأتي مباشرة بعد “العزارة” وهي عشرة أيام يكون فيها الطقس شديد التقلب ويبدأ بعدها مباشرة دخول فصل الربيع تدريجيا بنزول “جمرة الهواء” ثم “جمرة الماء” و”جمرة التراب” حسب نفس التقويم. أما مصطلح قرة العنز فيذهب البعض لتسميته كذلك لأن قطيع الماعز يتأثر فيها بالبرد ويمكن أن يأدي حتى الى موت بعضه.
حسب رأيي، إن هذه التسمية لها ارتباط بعيد وثني كان يقيمه الرومان من 13 الى 15 من شهر فيفري وهو عيد Lupercales وبالمناسبة يتم فيه ذبح عنز كبير كقربان للآلهة Faunus آلهة القطعان قرب مغارة Lupercal تبركا، حتى تحمي الآلهة قطعانهم من الذئاب وتكثر خاصة خصوبتها. ويمكن أن نستنتج أن الأقرب لكلمة قرة العنز هي كلمة “عقيرة العنز” أي ذبح العنز تبركا وربما وان لم يحافظ سكان المغرب العربي فيما بعد على هذه العادة الرومانية فقد أبقوا على تسميتها التي تحولت تحريفا من “عقيرة العنز” الى “قرة العنز”.
لكن هذا العيد الوثني الروماني تغير مع البابا جلاسيوس الأول (Gelase 1er) وهو أمازيغي الأصل وقد تولي باباوية الكنيسة الكاثوليكية من سنة 492 ميلادي الى غاية 496 .و لا ندري إن كان هنالك ارتباط بين اسم هذا البابا وإسم قبيلة جلاص، لكن المهم أن هذا البابا قام بمنع الإحتفال بالعيد الوثني Lupercales و اعتبار يوم 14 فيفري يوم تحيا فيه ذكرى القديس فلنتاين الذي قتل حسب الروايات في 14 فيفري من سنة 269 ميلادية بأمر من الإمبراطور الروماني كلود الثاني وذلك لرفض فالنتاين الإمتناع عن إبرام عقود زواج للجنود كما أراد الإمبراطور ذلك.
بين عيد الحب في صيغته التجارية الحديثة وبين عيد التبرك بخصوبة القطيع وبين إحياء ذكرى القديس فالنتاين المدافع على حق الجنود في الحب والزواج يكون يوم 14 فيفري هو اليوم الذي يختار فيه العصفور عصفورته والحبيب حبيبته ليستقبلا معا فصل الربيع أحب ذلك من أحب وكره ذلك من كان قلبه مليء بالحقد والكره والبغضاء.
* كاتب.
شارك رأيك