تحرك أحمد نجيب الشابي خلال الأيام الأخيرة كما لم يتحرك منذ أشهر عديدة فكثف من إطلالاته الإعلامية ووضع الكثير من التوابل في تصريحاته السياسية، مباركا حينا ومنتقدا في أغلب الأحيان حتى “ألهمت” هذه التحركات أحد الظرفاء في صفحات التواصل الإجتماعي فكتب: “هذا السياسي أصبح كهلال العيد لا يظهر إلا عندما يقترب موعد الإنتخابات “!
بقلم مصطفى عطية *
كان أحمد نجيب الشابي قد إعتزال العمل السياسي نتيجة الهزيمة المذلة التي مني بها عام 2014 في الإنتخابات الرئاسية والإنهيار الدرامي لحزبه في التشريعية بصفر من المقاعد في مجلس نواب الشعب ! قبل أن يتراجع ويبعث حزبا، ليغيب مجددا، وها هو يعود بأفكار “تحالفية” مثيرة!
لا أحد يشك في إن نجيب الشابي مناضل مشحون بالرغبة الجامحة في الإفادة وخدمة البلاد، إذ كان طيلة مسيرته النضالية ومازال معارضا متمرسا على مواجهة السلطة مهما كان مأتاها ومهما كانت توجهاتها، لكن ماذا سيستفيد أحمد نجيب الشابي من عودة متأخرة إلى ساحة سياسية تغلي كالمرجل!؟
لا شك أن هذا السؤال سيزعج أحمد نجيب الشابي وأتباعه أو من تبقى منهم، ولا شك أيضا أنه سيفسد سيناريوهات العديد من “أهل الشماتة” الذين يريدون لنجيب الشابي ركوب مغامرة فاشلة تزيد في الإساءة للرجل وهتك رصيده النضالي، ومع ذلك لا بد من التساؤل عما سيجنيه رجل في حجمه وثراء مسيرته من عودة مشحونة بكل علامات الإستفهام .
العودة من بوابة صغيرة وغير آمنة على الإطلاق
لا أحد يشك في إستعداد الرجل لخدمة البلاد من أي موقع كان، وقد أثبت ذلك في أكثر من مناسبة، ولكن هذا لا يبرر السقوط في متاهات الإغراءات والدعوات الملغومة التي تمس من رصيديه النضالي والسياسي.
لقد توفرت الفرصة لأحمد نجيب الشابي لتتويج مسيرته بالإرتقاء إلى منصب عال في هرم السلطة. كان ذلك خلال الأشهر الأولى التي تلت الحراك الشعبي في الرابع عشر من شهر جانفي 2011، وتحديدا خلال شهر جويلية من تلك السنة “الجهنمية”، والذي كان مقررا أن يكون شهر الإنتخابات الرئاسية، ولكن الموعد تغير فجأة وتم تأجيله إلى شهر أكتوبر!
لو تمت الإنتخابات في شهر جويلية لكان أحمد نجيب الشابي في الموقع الذي يجب أن يكون فيه، لكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفنه وتغيرت المعطيات رأسا على عقب، ثم توفرت له فرصة ثانية عندما أقترح عليه الدخول في الإئتلاف الذي تشكل بعد الإنتخابات التشريعية الأولى، وكان حزبه ممثلا تمثيلا محترما في المجلس الوطني التأسيسي، وكان بٱستطاعته فرض شروطه والحصول على أحد المناصب الرئاسية الثلاثة ولكنه رفض وتعنت في رفضه. لن أتحدث عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية وسقوطه من الدور الأول بنسبة من الأصوات ضعيفة جدا ولا تليق بمسيرته النضالية الطويلة.
وقتها كان قد إستنفد كل أوراقه بل “حرقها”، وقد أكبر فيه الذين يعرفونه جيدا، شجاعته عندما قرر ترك الساحة السياسية نهائيا، وهاهم يعبرون عن إستغرابهم الشديد من عودته من بوابة صغيرة وغير آمنة على الإطلاق في ساحة سياسية متشرذمة وتتحكم فيها الرغبات الشخصية والزعامات الوهمية والهواجس المرضية، فلا ماضيه في النضال كمعارض ثابت على مبادئه، ولا مسيرته السياسية الطويلة ولا سنه المتقدمة تسمح له بالعودة إلى مربع أدنى البدايات الممكنة!
قد نتفهم ما يعتمل في ذاته من حرقة وهو يشاهد البلاد بين أيدي الذين لا يفوقونه كفاءة ونضالا ولكن تلك هي حال السياسة إذا لم تستغل ما توفره لك من فرص تنقلب عليك.
سقط في الحسابات الضيقة والتقديرات الخاطئة
إن أحمد نجيب الشابي هو أحد كبار السياسيبن في البلاد وقد زادته تجربته النضالية الطويلة خبرة وكفاءة، وقد كان خلال الأسابيع الأخيرة من العهد السابق في موقع المؤهل لرئاسة حكومة وحدة وطنية، أو حكومة إنقاذ، ولكن الأحداث تسارعت بشكل درامي وٱنهار نظام بن علي، ومع ذلك توفرت له فرصة ثانية لقيادة البلاد والمحافظة على تواصل مؤسسات الدولة ولكنه أهدرها بشكل يدعو إلى الإستغراب عندما قبل بتولي حقيبة وزارية في حكومة محمد الغنوشي في حين كان أولى بمنصب رئيس تلك الحكومة التي سقطت بسرعة لحالة الذهول والإرتباك والعشوائية والخوف التي أبداها محمد الغنوشي في أيام الجمر تلك.
لقد كان أحمد نجيب الشابي على بعد خطوة واحدة لإنقاذ البلاد لكنه لم يعرف كيف يتصدى لمناورات الديناصورات الذين إحتلوا مكاتب قصر الحكومة بالقصبة وٱنطلقوا في نسج المؤامرات لغلق الأبواب في وجهه.
ما يحسب لأحمد نجيب الشابي أنه وجد الشجاعة الكافية لمواجهة كل التيارات الهدامة من إجتثاثيين وٱستئصاليين بالخصوص، في وقت كان فيه “الثورجيون” وكل من ركب سروج الحراك الشعبي في الساعة الخامسة والعشرين يطالبون بالإنتقام وسحل الناس وإقامة المشانق في الشوارع، وقد تمكن، رغم إعتدال خطابه في أيام الجمر تلك، من دخول المجلس الوطني التأسيسي بعدد كبير، نسبيا، من المقاعد لكنه، مع الأسف الشديد، لم يحافظ على ذاك المكسب الهام ولم يحاول تدعيمه، وسقط، أو أسقطوه، في الحسابات الضيقة والتقديرات الخاطئة.
وبالرغم مما لطخ مسيرته من أخطاء، في السنوات الأخيرة فإنه يبقى من الشخصيات السياسية الوطنية الكبرى، ومن العيب أن ينزل أو ينزلوه إلى حضيض “البدايات” التي لن يكون له فيها حظ أو فرصة.
* صحفي وكاتب.
مقالات انفس الكاتب بأنباء تونس :
للتأمل فقط : فضيحة المدرسة القرآنية بالرڨاب تعيد للأذهان قولة عبد الفتاح مورو لوجدي غنيم !
للتأمل فقط : حمادي الجبالي “يبشركم” بترشحه للإنتخابات الرئاسية وإقامة الخلافة السادسة !
شارك رأيك