إن ما أنجزته راوية عميرة٬ المستشارة بمجلس بلدية صفاقس٬ من عقد قران زوجين يوم 2 مارس 2019 ولأول مرة في تاريخ المدينة٬ يعد إسهاما هاما في إقناع تلك الفئة النسائية – التي ترزح تحت العقلية الأبوية – بمبادئ الحداثة الفكرية٬ لأن في بقائها خارج روح الحداثة فيه إضرارا بقضايا النساء وبتقدم المجتمع.
بقلم فتحي الهمامي *
“يلْزِمْ معاها راجِل لِأنو لا يجوزْ ” “ما بُني على باطل فهو باطل” “شرعا زواج باطل” “شوفوا هذاكا الإنْجاز العظيم اللّي صار…” “هذا زواج باطل لأن المرأة لا تُزوج المرأة شرعا…”.
تلك كانت إنطباعات لِنساء تونسيات٬ و هي مجرد غيض من فيض٬ قمن بالتفاعل مع خبر أوردته صفحة إذاعة ديوان أف أم بالفايسبوك عن إشراف امرأة٬ و هي راوية عميرة٬ تشغل منصب مستشارة بلدية بمجلس بلدية صفاقس٬ على عقد قران زوجين يوم 2 مارس الجاري٬ أسوقها مع الحرص قصدا على نقْل فقط ما عبرت عنه النسوة٬ دون ما قاله الرجال في الموضوع.
تصورات تخاصم حقوق النساء وتطلعهن إلى الحرية و المساواة
تلك الردود السلبية لا تنقص – بالطبع – من قيمة الإنجاز خصوصا من ناحية رمزيته وتوقيته إذ يبدو وكأنه تحية توجه إلى النساء في عيدهن يوم 8 مارس٬ أو رسالة أمل تتحدى القلق وتبعث التفاؤل في أوقات الضيق هذه.
لِهذا سُجّل أيْضا – من الجهة المقابلة – تقبل ايجابي للحدث في ذات الصفحة٬ إذْ أنّ نِساء كثيراتٍ أيضا تفاعلن ايجابيا مع ما أقدمت عليه عضوة المجلس البلدي من تفعيل لدورها كضابط (ة) الحالة المدينة٬ صِفة يمنحُها لها القانون.
ويلاحظ في ذلك التفاعل المناهض لخطوة راوية عميرة أنه ينطلق من منهج في التفكير يتأسس على فكر ماضوي٬ عمقه الفكر الديني. و أن فئة من النساء – غير ممثلة في المؤسسات – مقتنعة وقانعة بالآراء الذكورية وبسيطرة الذهنية الأبوية٬ يفترض أنه في تعارض مع مصالحها ǃ لهذا يطرح ذلك السّؤال القديم / الجديد الذي يؤرق – بصفة دائمة – أنصار تحرر المرأة ׃ كيف التعامل مع ذلك ردّ الفعل المعارض و المعاند في الآن نفسه٬ و الذي يعكس قناعات/تصورات تخاصم حقوق النساء وتطلعهن إلى الحرية و المساواة؟ بمعنى ما السبيل إلى إقناع أولئك النساء المناهضات للمساواة بأن تجسيم المساواة مؤداها تحررهن ؟
تنقية المنظومتة الثقافية وشبكة القيم المجتمعية
هل نطلق صفة الرجعية على أولئك النساء ونقول أنهن متأخرات عن ركب العصر لحملهن على التقدم ǃ؟ أم نتجاهل ما عبرن عنه من رأي بِاعتباره من بقايا الوعي القديم٬ تاركين للزمن مهمة هزمه؟ أم نتكأ على إنفاذ القانون واحترام مواد الدستور لِصفتهما الملزمة؟ أم نفتح قنوات الحوار مع ذلك الرأي ونخاطبه من خلال رموزه و مفاهيمه؟ فهل يعد ذلك – يا ترى – من قبيل التنازل لفائدة القديم الموسوم بالتقليد و النقل٬ وترددا من جانب الجديد على الإندفاع نحو الإجتهاد و التحديث؟ أو ربما نعمل حثيثا على تنقية منظومتنا الثقافية ومثيلتها شبكة قيمنا – التي ينطلق منهما ذلك الوعي – من كافة مظاهر التمييز و الجور !
لهذا حريّ بأنصار تحرر المرأة – رجالا و نساء – ونحنُ نحْتفي بِعيد النساء العالمي٬ التمعن في تلك المواقف – الصادرة عن نساء – المناهضة لممارسة حق المرأة في المساواة٬ لأنها تقيم الدليل على أن معركة تغيير العقليات لا تزال قائمة٬ و إن ربحنا فيها أشواطا. و أن تجاوز التفاوت والتراتبية الراسختين ذهنيا يلزمه جهد ومواظبة إضافيين.
ولعل ما أنجزته راوية عميرة بوصفه ممارسة للحق في المساواة وما تقوم به الجمعيات النسوية والحقوقية من نشاط في سبيل تنمية المساواة٬ بالاعتماد على حملات المناصرة لفائدة ترسيخ مفهوم النوع الاجتماعي في كافة قطاعات المجتمع٬ يعد إسهاما هاما منهما في إقناع تلك الفئة النسائية – التي ترزح تحت العقلية الأبوية – بمبادئ الحداثة الفكرية٬ لأن في بقائها خارج روح الحداثة فيه اضرارا بقضايا النساء و بتقدم المجتمع.
فلنعمل على أن يحتفي 1 رجب الهجري أيضا باليوم المرأة العالمي فلا أراه – صراحة – مخاصما لقيم حقوق الانسان الكونية.
* عضو سابق لمكتب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
الاتحاد العام التونسي للشغل ، إلى أين الاتجاه على ضوء تحاذبات “قرطاج 2″؟
شارك رأيك