تونس : سقوط لزهر اللونقو و الصندوق الأسود لحركة النهضة ؟

يمكن اعتبار إلقاء القبض على السيد لزهر اللونقو المدير العام السابق للمخابرات التونسية بمثابة إلقاء القبض على صيد ثمين و ثمين جدا خاصة في هذه الفترة التي فتح فيها ملف شركة انستاينقو على مصراعيه مؤديا إلى جملة من الإيقافات التي طالت عديد الرؤوس المهمة  الناشطة في أكثر من مجال بما يؤكد أن الأمن التونسي بصدد تفكيك شبكة عملاء و خونة غير مسبوقة.

  بقلم أحمد الحباسي

المعطيات المتوفرة تؤكد بأن عملية الإيقاع بهذا الصيد الثمين و الذي يعتبر أهم أذرع  الجهاز الأمني الموازى الذي ركزته و دعمته حركة النهضة لاختراق وزارة الداخلية و الحصول على سيل من المعلومات الأمنية السرية قد تم التحضير له باستعمال دعم لوجيستى غير مسبوق و بتكاتف الجهود الأمنية و العسكرية التونسية الجزائرية بما يعكس أهمية الرجل و اعتباره أحد كبار صناديق الأسرار التي تشتغل كل الأجهزة المختصة على فك شفرتها للوصول ربما إلى حقائق و معلومات قد تميط اللثام على قضايا كثيرة بقيت فيها الأبحاث غير مكتملة أو لم تؤد إلى نتائج تذكر.

من المعلوم أن السيد لزهر اللونقو قد صدرت في حقه عدة مناشير تفتيش و محجر عليه السفر بقرار قضائي بل هو محل تتبع قضائي في عدة قضايا تمس بالأمن الوطني وآخرها ملف التحقيق في ما يعرف بقضية انسالينغو الشهيرة و من المؤكد أيضا أن محاولة الرجل الفرار إلى الجزائر ثم الدخول منها إلى إسبانيا ثم فرنسا قد تتطلب منه كخبير في المخابرات استعمال عدة طرق ملتوية و خبيثة إضافة إلى الاستعانة بعدة أفراد لن  يفاجأ أحد أن يكونوا عناصر من الجهاز السري لحركة النهضة أو بعض المتعاونين معها من المهربين و من العناصر الإرهابية المتواجدة على الحدود بين تونس و الجزائر.

هشام المشيشي يقع في المصيدة

من المؤكد أيضا أن  قيام حركة النهضة بتسهيل عملية فرار أحد رجالها المهمين قد فرضته الضرورة القصوى حتى لا تتولى أجهزة الأمن سماع تصريحاته و ربما كشفه عن أسرار مدوّية و مزلزلة بإمكانها أن تؤدى ببعض قيادتها وراء الشمس.

لعل من بين هذه الأسرار حقيقة ما يقال عن قيام الرجل  باستدراج رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي عند زيارته الخاصة إلى فرنسا ليلة رأس سنة 2020 و تصويره في أوضاع فاضحة في إحدى السهرات الخاصة المشبوهة.

 من الطبيعي أن تحوم الشبهات حول السيد لزهر اللونقو وهو الرجل الأمني الذي  عرف بسلوكه الانتهازي و طمعه في السلطة و استعداده لبيع مبادئه من أجل كرسي هزّاز و لعل تعيينه المفاجئ على رأس جهاز المخابرات يمثل نكبة  كبرى لهذا الجهاز بعد نكبة تولى وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي تفكيكه بطلب من حركة النهضة و من العميلة سهام بن سدرين المتعاونة مع عدة سفارات متآمرة على الأمن القومي التونسي، هذا التعيين أثار حفيظة كل من عرفوا زئبقية هذا الرجل و نرجسيته الزائدة و طمعه في خدمة الأجندات المشبوهة  حتى إن البعض قد تساءل منذ فترة عما إذا كان يراد منه “التجسس” على  خصوم النهضة و أولهم بالطبع رئيس الجمهورية قيس سعيّد و لذلك لا يمكن اعتبار ورود اسم السيد لزهر اللونقو ضمن قائمة المتهمين الكبار في قضية انستالينقو التي تورطت فيها عدة شخصيات مختلفة بتهمة التخابر و المس من أمن الدولة إلى غير ذلك من التهم الخطيرة التي تؤكد خطورة الملف و خطورة الأفعال الإجرامية المرتكبة.

المسار المهني المشبوه للسيد لزهر اللونقو

إن علاقة السيد لزهر اللونقو بحركة النهضة لم تعد محل جدال بحيث سبق لعدة أطراف من بينها النائبة السابقة فاطمة المسدي أن أكدت هذه العلاقة المشبوهة و لذلك ليس جديدا أن تقوم الحركة بتسهيل هروبه إلى فرنسا أين تتمتع بشبكة علاقات مهمة بإمكانها حماية الرجل و توفير الملاذ الأمن فضلا عن أن عمله  مدة معينة كملحق أمني بالسفارة التونسية  بباريس قد جعله يختار هذه الوجهة في ظل ما تشهده العلاقات التونسية الفرنسية من برود كبير نتيجة تضايق الرئيس قيس سعيد من ضغوط  و تدخلات بعض المنابر و المنظمات في علاقة بانتقادها “للانقلاب” لكن المثير أن القبض على هذا الرجل قد سبقته عدة محاولات هروبه باستعمال طرق تخفى مختلفة  لكنها فاشلة الأمر الذي يؤكد إحساسه بالخطر و بكون التحقيق معه سيؤدي إلى منزلقات سياسية كثيرة بحيث ينجرعنها كشف المستور في علاقة بملفات الاغتيالات و تسفير الإرهابيين و الجهاز السري و تخابر شخصيات كبرى مع دول أجنبية و حقيقة العلاقة بين حركة النهضة و بعض الجهات الصهيونية المتآمرة.

هشام المشيشي و لزهلر اللونقو.

لا يمكن الحديث عن السيد لزهر اللونقو دون الحديث عن مساره المهني المشبوه و كما كان الرجل أحد أذرع “الطرابلسية” وهم أفراد زوجة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذين يستقوون بها على كبار المسئولين في وزارة الداخلية  فقد كان الرجل يقوم بكل المهمات القذرة الموكولة إليه و التي تتطلبها مصالح هؤلاء الفاسدين الذين كانوا أحد أسباب انهيار النظام و سقوطه كما كانت له سوابق في تصوير البعض في وضعيات غير أخلاقية لتسهيل ابتزازهم و نهب أموالهم و لعل حركة النهضة قد تفطنت وهي التي تمتلك خبرة كبرى في تشويه خصومها و ابتزازهم إلى هذه “الموهبة” التي يمارسها السيد لزهر اللونقو فتم التنسيق لإيقاع رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي فى مصيدة سهلت على الحركة فيما بعد إجباره على قطع علاقته بالرئيس و القبول بالدخول إلى بيت الطاعة خدمة لمعبد الإخوان و مخططاتهم في تفكيك مؤسسات الدولة و بيع أسرارها إلى جهات أجنبية لم تعد خافية على أحد.

لقد كتب لمسيرة السيد لزهر اللونقو أن تتوقف  هذه المرة و فى ظروف مأسوية واضحة ليتم ترحيله من الجزائر إلى تونس للتحقيق معه بل لنقل أن الرجل سيجد هذه المرة نفسه محشورا في الزاوية نظر لثقل التهم الموجهة إليه و كثرة الأدلة الدامغة التي تؤكد قيامه بهذه الجرائم القذرة و لذلك عليه أن يختار بين كشف المستور و ربما اعتباره شاهد ملك أو التعرض إلى “حادث” داخل السجن سيؤدى بحياته لان حركة النهضة لن تقبل بوجود شخص بإمكانه أن يشكل خطرا داهما على وجودها في ظل ما تعانيه الحركة هذه الأيام من انتكاسات و ارتدادات سياسة شيخها الفاشل راشد الغنوشى و إمكانية محاكمته. لن يكون بوسع “الطرابلسية” هذه المرة إنقاذ السيد لزهر اللونقو و نفس الشيء بالنسبة لقيادة حركة النهضة و لعل جدران سجن الإيقاف و لياليها الطويلة كفيلة بأن  توحي لهذا الرجل بالحل المنشود.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.