من الرسائل التي لم تنشر للأديب اللبناني الكبير ميخائيل رسالة بعث بها إلى فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وهو السيد الحيب عبيد الذي كان التقى به خلال زيارته إلى تونس في عام 1961. وهي تنبؤنا عن الأخلاق العالية للكاتب الذي كان صيته ذائعا انذاك و على تواضعه الكبير.
بقلم سُوف عبيد
تظل رسائل كبار الأدباء حافلة بمعلومات تاريخية مهمّة إضافة إلى أنها تشتمل على أبعاد فنية عديدة بحيث تصبح الرسالة وثيقة في غاية من الأهمية بالنسبة لنصوص الأديب نفسه، لِمَا فيها من إضافات أو شرح لمسيرته، وكذلك لِما يتوفّر فيها من معلومات خاصة حول شخصية المُرسَل إليه، أو أن تلك الرسائل تتعلق بجوانب دقيقة من المرحلة التاريخية أو السّياق العام الذي كتبت فيه.
وقد تضمنت “المجموعة الكاملة” للأديب ميخائيل نعيمة الصادرة عن دار العلم للملايين ببيروت سنة 1964 في المجلد الثامن منها عديد الرسائل التي كتبها إلى أدباء و مريدين كثيرين من بلدان مختلفة في العالم من بينهم بعض التونسيين من الأدباء مثل محجوب بن ميلاد وأبي القاسم كَرُّو وناجية ثامر وغيرهم.
وقد وردت في بعض رسائل ميخائيل نعيمة إلى محجوب بن ميلاد معلومات حول المنهج الفكري لكل من الأديبين إضافة إلى تفاصيل حول نشر كتبهما ومقالاتهما، وقد أشارت الرسائل إلى بعض الملابسات التاريخية القريبة منهما ممّا يجعلها ذات قيمة وثائقية إضافة إلى قيمتها الأدبية والفكرية الأخرى، فمن أهمّ ما ورد فيها من الناحية الوثائقية معلومات حول بعض الكتب لدى الأديبين من حيث التأليف والنّشر، بالإضافة إلى معلومات حول سفرهما إلى الهند ولبنان والعراق وتونس، بل إنّ هذه الرّسائل تتضمن كذلك بعض التفاصيل اليوميّة والنواحي العائلية الخاصّة لدى الأديبين.
أمّا من النّواحي الأدبية والفكرية فإنّ هذه الرسائل تؤكد على مبدأ التسامح والدعوة إلى مبدإ التجديد لدى ميخائيل نعيمة ومبدأ العقلانية لدى محجوب بن ميلاد، وهي تشير إلى بعض الوقائع السياسية التي حدثت في تونس ولبنان في مطلع سنوات الستينيات من القرن العشرين.
فلهذه الرسائل إذن أهمية كبرى لاِحتوائها على معلومات شاملة ومختلفة ودقيقة ومُهمة وحتى شخصية وهي، أخيرا، تمثل درسا ثمينا نتعلم منه كيف أن الأديب الحقيقي مهما علا شأنه فإنه يظل ملتزما إزاء قرائه وأحبائه فيرد على رسائلهم مهما كانت منزلة أصحابها، حتى أن فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وهو ابن عمّ لي هو السيد الحيب عبيد بادر بمراسلته، فإننا نرى ميخائيل نعيمة يردّ عليه بكل اِحترام و تشجيع مثلما سنكتشف ذلك في رسالة لم تنشر ضمن هذه “المجموعة الكاملة” من رسائل ميخائيل وصورة من الرّسالة مع نصها الحرفي بخط ميخائيل نعيمة منشورة أعلاه.
بسكنتا – لبنان – 26/06/1961
عزيزي الحبيب عبيد
كان لرسالتك اللّطيفة أجمل الوقع في نفسي ولم تكن أقلّ وقعا منها وقفتك بباب الفندق في تونس عندما غادرناه إلى المطار صباح العشرين من هذا الشّهر وفي يدك نسخة من كتابي “لقاء” وقد جئت تطلب توقيعي عليها.
لكم وددت يا صديقي الفتيّ لو كان لي أن أتحدّث إليك وإلى الكثير من الشبّان التونسيين أمثالك لا من على منبر المسرح البلدّي بل على شاطئ البحر أو في بستان من الزّيتون أو في سفح “بوقرنين” أو في أيّ مكان يطيب فيه الحديث فيجري طلقا عفويا ودونما أقل كلفة.
إنّ ما لمسته في الشباب التونسي من تحفّز وتفتيح وشوق إلى المعرفة التي تحملنا إلى آفاق أجمل وأرحب من آفاقنا الحالية ممّا أدخل السّرور إلى نفسي بل إنّه عزّز إيماني لا بمستقبل تونس وحدها بل بمستقبل العالم بأسره.
وعليك السّلام وإليك أحنّ التحيات من
المخلص
ميخائيل نعيمة
مقالات و نصوص لنفس الكاتب بأنباء تونس :
حول الشّاعر الألماني راينر ماريا رلكه و زياراته لتونس ومصر وولوعه بالشرق
شارك رأيك