التوجس التونسي من إنعكاسات الحرب الحالية في ليبيا له مبررات عديدة ومنها أنه يهدد بتنشيط تحركات الجماعات الإرهابية في الجنوب الشرقي والشمال الغربي لتونس. ولعل سفر وزير الدفاع التونسي السيد عبد الكريم الزبيدي إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع تندرج في إطار التنسيق العسكري والأمني مع الشريك الأول لتونس في مكافحة الإرهاب.
بقلم فوزي عبيدي
بعد أن تم القضاء على الإرهابي مراد الغرسلي وخليته الإرهابية بمنطقة أولاد يحيى المتاخمة لجبل عرباطة بولاية قفصة سنة 2015، هدأت تماما تحركات الإرهابيين بهذه المنطقة إن لم نقل إختفت أصلا من هذه الجهة ولكن بعد إشتداد المعارك في ليبيا بين جيش الماريشال خليفة حفتر وقوات الوفاق رجعت الجماعات التكفيرية الموجودة في الجبال الغربية في تونس للنشاط بكثرة بجبل عرباطة في محاولة إمتداد من أماكن تمركزها التي أصبحت محاصرة فيها ومحاولة إيجاد رابط مع الحدود الشرقية لتونس مع الجارة الشرقية ليبيا عن طريق السلاسل الجبلية المحاذية والقريبة من بعضها البعض.
تمركز الإرهابيين في الموقع الإستراتيجي لجبل عرباطة
هذا النشاط الإرهابي بجبل عرباطة ليس مستغربا بحكم الموقع الإستراتيجي للجبل الذي يقدّر إرتفاعه بــ1165 متر حيث يربط بين جبل بورملي من الغرب وجبل بوهدمة من الشرق وهو نقطة عبور أساسية من المنطقة الجبلية للحدود الغربية التونسية الممتدة على كامل الحدود الغربية من جبال جندوبة في الشمال عبورا بولايات الكاف والقصرين ثم عبر جبل عرباطة مرورا إلى المناطق الحدودية الشرقية المتاخمة مع ليبيا عبر الجبال الموجودة بالجنوب الشرقي كجبال مطماطة ثم جبل بني خداش وجبل المطوي ببن قردان.
لهذا أصبحت التحركات الإرهابية بجبل عرباطة من ولاية قفصة أكثر وضوحا هذه الفترة فقد تم الكشف من قبل تشكيلات عسكرية عن وجود مخيّم لهذه العناصر يحتوي على كميات من المواد الغذائية والمؤونة ومواد أولية تستعمل في صنع الألغام والمتفجرات وقد تعرض ثلاثة جنود إلى إصابات جرّاء إنفجار ألغام أرضية أثناء عمليات التمشيط لتعقب العناصر الإرهابية المتحصنة بالجبل، كما أعلنت هذه العناصر الناشطة تحت راية داعش عن ذبح مواطن يعاني من إختلالات نفسية قاطن بمنطقة بوعمران التابعة لمعتمدية القطار وعلى إثر ذلك نفذت وحدات من الجيش الوطني عمليات قصف بالمدفعية على جبل عرباطة لإستهداف العناصر الإرهابية المتحصنة بالمكان.
محاولة فك الحصار والربط مع الجماعات التكفيرية بليبيا
لا يخفى على أحد أن الجماعات الإرهابية المتواجدة بالجبال الغربية تعاني حالة كبيرة من الحصار والهوان ونقص الذخيرة والمؤونة وهذا ما تبينه إنحسار قدرتها على القيام بعمليات إستعراضية كما دأبت على ذلك فمنذ مقتل أمير كتيبة عقبة ابن نافع المكنى “لقمان أبو صخر” مع ثمانية من مرافقيه بسيدي يعيش سنة 2015، أصبحت هذه المجموعات في إنحدار كامل وتراجع مستمر عزّزته العمليات الإستباقية التي قامت بها القوات العسكرية والأمنية والتي مكنت من القضاء على العشرات من الإرهابيين حيث أصبحت هذه المجموعات في حالة دفاع وفرار واضح من المواجهة وأصبحت تلجأ إلى إفتكاك المواد الغذائية من السكان المحاذين للجبال والسطو على البنوك نتيجة إنقطاع التمويل بالأموال والأسلحة في سنوات ما بعد الثورة مباشرة والتي أثبتت كل الأبحاث أن التمويل الأساسي بالأسلحة والأموال التي دخلت لتونس تلك الفترة من سنة 2011 إلى سنة 2013 كان مصدرها كلها ليبيا.
هذا التخبط الذي تعيشه تلك المجموعات جعلها تلتجأ إلى عمليات قذرة خاصة إعدام الرعاة الذين لا مورد لهم سوى رعي الأغنام ومن ثم تصويره على أساس أنه إنجاز عظيم سلطته على المتعاونين مع السلطة وهو في حقيقة الأمر توجيه رسالة إلى متابعي هذه المجموعات عبر وسائل التواصل الإجتماعي و المتأثرين بها من الخلايا النائمة على أساس أنها مازالت تنشط وقادرة على الفعل.
لكن في المدة الأخيرة مثّلت لها الأحداث الجارية في ليبيا وماتخلّفه من فوضى أمنية في بلاد شاسعة سيناريو جيد ومحتمل لمحاولة الحصول على التمويلات المالية والأسلحة اللازمة من قبل الجماعات الممتدة لها في ليبيا وهي أساسا تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وهذا الأمر بطبيعة الحال تسهله وجود عناصر تونسية بالقطر الليبي تنتمي لهذه الجماعات وقع إستقطابها سابقا لمثل هذه الغايات إمّا لنقل التمويلات بالمال والسلاح أو التدرب بليبيا ثم الإلتحاق مجددا بالجماعات التكفيرية بالجهة الغربية من تونس و لذلك هي تبحث على سيناريو يمكنها من ربط طريق إمداد من المرتفعات الغربية لتونس ثم جبل عرباطة توجها نحو ليبيا عن طريق الجبال بالجنوب التونسي المحاذية لليبيا.
الأزمة الليبية الخاصرة الرخوة لأمن تونس
بحكم إشتراك تونس مع ليبيا بخط حدودي بطول نحو 500 كلم ووجود إمتداد سكاني كبير بين البلدين بحكم وجود الأغلبية الديمغرافية من سكان ليبيا بالمنطقة الغربية لهذا البلد والمحاذية لتونس فإن كل إختلال أمني أو وجود حرب داخلية بهذا القطر الشقيق سوف ينعكس مباشرة على الوضع الأمني بتونس، فشبح الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد في السنوات الفارطة لا تزال عالقة بالذاكرة الجماعية للتونسيين خاصة ما كلفته من ثمن باهظ على مستوى الأمن وخاصة تضرر القطاع السياحي بصفة مؤلمة ومازال لم يتعافى منها تماما ومن أهمها الضربات الإرهابية القاسية التي تلقاها الإقتصاد التونسي خاصة مع الإعتداءات الإرهابية التي بدأت سنة 2013 وشهدت ذروتها بالهجوم على كل من متحف باردو في 18 مارس 2015 حيث خلف الهجوم 22 قتيلا و45 جريحا من جنسيات أوروبية، أمريكية وآسياوية وكذلك الإعتداء المسلح الذي تعرض له فندق “إمبريال مرحبا” بمدينة سوسة في 26 جويلية 2015 حيث خلف الهجوم 39 قتيلا في غالبيتهم من الجنسية الإنقليزية وقرابة 38 جريح.
وهذه الجماعات هي في سعي دائما للإعتداء على أرض الوطن فبعد دحرهم في الهجوم الفاشل الذي حاولوا شنه على مدينة بن قردان سنة 2016 حاولوا عن طريق عمليات فردية أو ما يسمى بــــ “الذئاب المنفردة” كالتفجير الإنتحاري الذي إستهدف حافلة الأمن الرئاسي لكن بعد ذلك إستطاعت القوات العسكرية والأمنية التونسية تحييد مثل هذه العمليات كالإرهابي الذي ألقي عليه القبض شهر أفريل 2017 وبيّنت التحريات الأمنية التي أجرتها أجهزة مكافحة الإرهاب أنه كان يعد مخطط كلفه به تنظيم داعش الإرهابي بمهاجمة قاعدة عسكرية في مدينة بنزرت وإستهداف حافلة عسكرية وسط العاصمة التونسية وإغتيال شخصيات سياسية.
خلال تصريحاته إعترف هذا الإرهابي بسفره في شهر جوان 2015 إلى ليبيا بعد أن ربط علاقاته مع الإرهابي التونسي عاطف الذوادي الذي إستقطبه إلى ليبيا حيث تلقى تدريبات عسكرية بغاية تنفيذ مخططات إرهابية في تونس.
مع إستمرار المعارك بليبيا الحذر واجب
فمنذ بداية العملية العسكرية لحفتر على العاصمة طرابلس وإشتداد المعارك بين الطرفين قامت وزارة الدفاع التونسية برفع حالة التأهب على الحدود تحسّبا لأي طارئ وأعلنت إتخاذها جميع الإحتياطات الميدانية لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية ومواجهة التداعيات المحتملة خاصة التوقي من عبور مقاتلين فارين من النزاع أو إرهابيين بغرض زعزعة الإستقرار الداخلي لتونس أو القيام بعمليات إرهابية خاصة مع إمكانية تحول ليبيا إلى بلد مستقطب للمقاتلين الأجانب بحكم تحول الصراع الداخلي بين حفتر وحكومة الوفاق بقيادة السراج إلى نزاع دولي وإقليمي حيث أن كل طرف أصبح له داعموه في هذه الحرب ومع إستمرار المعارك لمدة أطول سوف يساهم في إستنزاف الطرفين مما يسمح ببروز فراغ أمني في بلاد شاسعة تمسح حوالي مليون و 760 كلم مربع أي أكبر من تونس بحوالي 11 مرّة وهو ما سيكون بيئة مناسبة للإرهابيين نظرا لأن طرفي النزاع سوف يكثفون جهودهم في الحرب الأهلية بدل محاربة التنظيمات الإرهابية التي يساعدها هذا الفراغ لخلق قاعدة خلفية للتسلّح وتدريب المقاتلين بغاية دعم المجموعات الإرهابية المحاصرة في السلسلة الغربية للبلاد التونسية والتي تعتبر إمتدادا لها عقائديا ولوجستيا وهذا بطبيعة الحال يخص أهم مجموعتين إرهابيتين وهما القاعدة وداعش.
لكل هذه الأسباب يجب علينا التحلي باليقظة خاصة مع تعويل الأطراف الليبية والدولية على الحسم العسكري وكذلك بداية شهر رمضان الكريم الذي تكثر فيه العمليات الإرهابية لعوامل إيديولوجية لدى هذه الجماعات التكفيرية.
هذا التوجس التونسي من إنعكاسات الحرب في ليبيا كان واضحا جدا من خلال سفر وزير الدفاع التونسي السيد عبد الكريم الزبيدي إلى الولايات المتحدة الأمريكية هذا الأسبوع لمقابلة إطارات وشخصيات بكل من وزارة الخارجية والدفاع الأمريكية ومن المنتظر أن تكون الأزمة الليبية من أولويات هذه الزيارة ونقل هواجس الجانب التونسي إلى الجانب الأمريكي الذي يعتبر من اللاعبين الأساسيين في ليبيا فقد كان واضحا وزير الدفاع التونسي في خطابه بمعهد السلام الأمريكي بأن إعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الشريك الأول لتونس في مكافحة الإرهاب.
شارك رأيك