توجد طريقتان لممارسة السياسة، إما أن نمارسها بأخلاق وإما أن نتخلى عن كل أخلاق وضوابط ومبادىء ونمارسها بكل قذارة، ويبدو أنّ الطريقة الثانية أسهل، أو قد يكون للسياسيين التوانسة شغف كبير بكتاب “الأمير” لنيكولا ماكيفيلي (و إن كنت أشك في قراءة معظمهم لكتاب في حياتهم) الذّي يدعو للتخلّي عن الأخلاق في السياسة، فالغاية تبرر الوسيلة كما يقول!
بقلم نضال بالشريفة *
من مظاهر هذا “الفجور” السياسي هو نشر الإشاعات وهتك الأعراض وتدمير الأسر في إطار حرب سياسية لا أخلاق فيها. وفي هذا الإطار سمعنا خلال اليومين الأخيرين ما قيل حول تورّط نائبة في البرلمان في إحتساء الخمر في سيارة صحبة شاب في شهر رمضان وقيام قوات الأمن باعتقال الشاب وإطلاق سراح النائبة بحجة حصانتها البرلمانية. ثم قامت صفحات فايسبوك أخرى بنشر إسم النائبة ضحية هذه الإشاعة المنحطة وهي ليلى الحمروني.
الأكثر خطورة في هذا هو تورّط صفحات أمنية في ترويج هذه الإشاعة مثل صفحة Brigade antiterroriste (لا نعرف ماذا تنتظر وزارة الداخلية للتحرّك وإيقاف هذه الصفحات التّي تسيء إليها، إلا إن كانت هي نفسها تقف وراءها)، ولكن من غير الواضح من يقف وراء هذه الإشاعة.
من يقف وراء تفشي ظاهرة هتك الأعراض وترويج الإشاعات ؟
البعض يتهم حزب النهضة لتورط ميليشياتها الإلكترونية في هذه الأعمال في السابق، البعض الأخر يتهم نداء حافظ قايد السبسي بحكم إنسلاخ النائبة عن النداء وإنضمامها لحزب تحيا تونس…
معرفة الطرف المتورط مهم ولكن الأهم هو محاسبته خاصة مع تفشي ظاهرة هتك الأعراض وترويج الإشاعات خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي الذّي أصبح خارجا كليا عن السيطرة.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقبل أيّام شاهدنا فيديو مسرّب لرئيس كتلة النداء (شق الحمامات المختلف مع شق المنستير) سفيان طوبال وهو في كابريه مصري “يرشق” في الأموال على راقصة.
طوبال قال إنّ هذا التسريب يتنزل في إطار محاولة بعض الأطراف ضرب ما أسماه بالمسار التوحيدي لنداء تونس، لا نعلم إن كان هنا يتهم النهضة أو حافظ قائد السبسي ولكن في كل الحالات هذه الممارسات مرفوضة حيث تساهم في تسميم الحياة السياسية وزيادة نسبة الكراهية و العنف.
وهنا يجب التذكير أن نشر الإشاعات المسيئة ليس بالأمر الجديد في تونس حيث كانت تستعمل زمن النظام السابق ضد رموز المعارضة من قبل صحف أصبحت مختصة في هذا الشأن، لكن بعد الثورة إنتشرت هذه الظاهرة كالنار في الهشيم وكانت لوسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الولوج إليها و قلّة الرقابة عليها في هذا دورا هاما، و بالتالي لم تسلم تقريبا أي عائلة سياسية من هذه الممارسات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، مثل القيادي في النهضة علي العريض الذّي أتهم بممارسة الجنس المثلي في السجن وفي حادثة أخرى توّجه النائب عن الجبهة عمار عمروسية للنائبة صابرين قوبنطيني قائلا لها: “أسكت يا متع جربة” (في إشارة لاتهامها بإدخال صديقها لنزل في جربة)، وفي نفس الإطار توجه النائب عن النداء حسن العماري للنائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو باتهامات أخلاقية هابطة…
الإشاعات أصبحت وسيلة خصام و تراشق بين النواب
ما يلاحظ هنا أنّ ظاهرة الإشاعات لم تقتصر على وسائل التواصل الإجتماعي بل إمتدت أيضا لمجلس النواب الشعب لتصبح وسيلة خصام بين النواب في حين من المفروض أن يكونوا هم مثالا لعامة الشعب في الأخلاق والتنافس النزيه والبنّاء، وهذا يمكن تفسيره بغياب البرامج لهذه الأحزاب التّي يمكن أن تقدمها للشعب وتقنعه من خلالها بانتخابها وبالتالي فإنّهم يلجؤون لإشاعات أو أخبار تمس الحياة الشخصية لمنافسيهم دون أي إهتمام بما قد تتسبب فيه هذه الأساليب من مشاكل لهؤلاء الناس خاصة وأنّ معظمهم لهم عائلات وقد تتسبب في خرابها.
الملاحظة الثانية هي أنّ أكثر ضحايا هذه الإشاعات هم من النسّاء و للأسف الإشاعات التّي تخص النساء تلقى رواجا أكثر من بقية الإشاعات خاصة إن كانت إشاعات أخلاقية والتفسير لهذا هي عقلية جزء لا بأس به من شعبنا الذّي لا يزال يعاني من عقليات رجعية تحصر دور المرأة في البيت والإهتمام بشؤون العائلة أما تلك التّي تتجرأ من الخروج من البيت إما للعمل أو للنشاط في الجمعيات (خاصة تلك التّي تدافع عن حقوق المرأة) أو لممارسة السياسة فلا بد أن توصم بالعاهرة والخائنة لزوجها وبغير المتخلّقة، ولهذا يسهل تصديق هذا النوع من الإشاعات من قبل هذه الفئة من المواطنين.
والمؤسف أيضا هو أنّه أحيانا تكون بعض النسوة متورطات في نشر هذه الإشاعات و الترويج لها.
القضاء على هذه الظاهرة ليس سهلا ولكن يمكن الحد منها
القضاء على هذه الظاهرة ليس سهلا، خاصة في ظل صعوبة مراقبة وسائل التواصل الإجتماعي، لكن يمكن الحد منها، وإذا كانت الدولة مصرّة على تصفية الحياة السياسية من هذه الأساليب، حيث أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن مبادرة في هذا السياق ستتبلور خلال الأسابيع القادمة، فعليها أن توسّع من صلاحيات الهايكا (أو هيئة الإتصال السمعي البصري المنتظرة) وإعطائها الوسائل القانونية والبشرية والمادية اللازمة للمراقبة الناجعة لوسائل الإعلام سواء التقليدية أو الحديثة (و بالأخص شبكات التواصل و منها الفايسبوك) ومعاقبة كل من تورط في نشر معلومة خاطئة أو معلومة تتعلق بالحياة الشخصية للناس.
أما الوسيلة الأنجع هنا هي بدون أدنى الشك القضاء على السياسيين السفلة والمنحطين الذّين لا شيء في جعبتهم إلا التشويه و نشر الإشاعات، والإنتخابات القادمة فرصة للتوانسة للإختيار بين هذه النوعية من السياسيين والسياسيين الذّين يقدمون برامج و أفكار قابلة للتنفيذ وبعيدة عن الكذب والوعود الزائفة، وهنا أستحضر أحلام أفلاطون حول مدينته الفاضلة والتي قال فيها أنّ الحكم يجب أن يكون حكرا للحكماء والنزهاء الذّين يسبقون المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة… فهل نحن قادرون على بناء مدينتنا الفاضلة في تونس؟
* طالب حقوق بكلية العلوم القانونية بتونس.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس:
شارك رأيك