حركة النهضة برصانتها السياسية وعدم تسرعها في المواقف الإنتخابية لن تجازف بإختيار مرشح يكون جوادها الرابح وهي تعلم علم اليقين بأنه لن يضمن الفوز من الدور الأول ولا حتى مروره أصلا للدور الثاني لذلك فالمؤكد أنها لن تتخذ قرارها إلا بعد المرور للدور الثاني ووضوح الرؤية بالنسبة للمترشحين.
بقلم فيروز الشاذلي
بعد تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إنّ حزبه يبحث عن “العصفور النادر” الذي سيترشّح بالتوافق للإنتخابات الرئاسية وأنه لم يتحدد بعد الشخصية التي سيختارون دعمها في هذا الإستحقاق الرئاسي تواترت الترشحات للرئاسة وأصبح الكل يحدث نفسه بأنه هو العصفور المناسب لهذا الموقع وما عليه إلا أن يسمع زقزقته لحزب النهضة في سعي محموم للحصول على دعمها والبروز في موقع المترشح التوافقي الذي يضمن الإستقرار للحياة السياسية التونسية.
في هذا الصدد شهدت المعركة الرئاسية نشاطا مبكرا والدخول في مسابقة إعلان النوايا للمترشحين دون إنتظار قرب موعد الإنتخابات بين من أبدى إستعداده الضمني للعب دور الرئيس التوافقي بالتقاطع مع النهضة وبين من خيّر الترشح على مبدأ مقاطعة هذا الخيار جملة وتفصيلا.
هذه الوضعية جعلت أعداد المترشحين تتكاثر لتصل العشرات بالرغم أن غالبيتهم ليسوا بالمتراهنين الحقيقيين أو الجديين على منصب الرئاسة كبحري الجلاصي، فيصل التبيني، نزار الشعري، و نبيل القروي.
لكن بالنسبة للمترشحين الجديين والقادرين على تحقيق نتائج واقعية حسب تاريخهم السياسي وحسب ما تقدمه نتائج سبر الأراء مهما إختلفت هل النهضة حقيقة بهذه القوة والسطوة في الساحة السياسية وخاصة الإنتخابية أن تضمن لواجد منهم دعم قواعدها الإنتخابية وهل هي فعلا قادرة على رسم خارطة الطريق السياسية نحو الفوز المحتوم بالرئاسيات من الدور الأول؟
تشتت المشهد الإنتخابي
للإجابة على هذا التساؤل الجوهري يجب في البداية تشخيص الواقع الإنتخابي التونسي بصفة موضوعية فالخزان الإنتخابي التونسي يتركز حول أربعة أو خمسة كتل إنتخابية معينة منها ذات التوجه النهضاوي وهذا ثابت بالإستحقاقات الإنتخابية السابقة ومنها ذات النفس الدستوري والتجمعي كما نجد كتل ناخبة داعمة للتوجه الثوري البارز بعد 14 جانفي والشعارات التي حملها، كذلك التيار اليساري بمختلف منابعه.
إذا هذه الكتل الإنتخابية وحسب ما بيّنته جميع الإستحقاقات الإنتخابية السابقة غير قادرة على حسم المعركة الإنتخابية الرئاسية من الدور الأول لصالح مرشحها في نفس الخط السياسي فما بالك أن هذه الكتل الإنتخابية هي في نفسها منقسمة بسبب وجود أكثر من مترشح لنفس اللون السياسي، فمثلا القاعدة الإنتخابية الكبرى لنداء تونس التاريخي وما لفّ لفّه ستجد نفسها منقسمة بين عديد المترشحين كيوسف الشّاهد، ومحسن مرزوق، بينما التيار الإنتخابي الذي يميل لشعارات ما بعد الثورة فسيجد نفسه مشتت الأصوات بين عديد المترشحين كالمنصف المرزوقي، ومحمد عبو… وهذا التشتت في الأصوات يشمل كذلك العائلة التجمعية والدساترة بينما التكتل الإنتخابي لليسار سوف يجد نفسه في مأزق حقيقي في الإختيار بين عدة مترشحين كحمة الهمامي ومنجي الرحوي.
إذا على عكس إنتخابات سنة 2014 والتي منذ البداية كان من الواضح وجود تيارين بقيادة كل من الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي في التنافس على منصب الرئاسة نجد أن إنتخابات سنة 2019 تتسم بمشهد مشتت بكثرة المرشحين من نفس اللون السياسي مما يجعل النهضة تنأى بنفسها عن الدخول المبكر في دعم مرشح غير قادر على حسم المعركة الإنتخابية منذ الدور الأول وربما غير قادر أصلا على المرور للدور الثاني خاصة مع ما شهدته إنتخابات هذه السنة من إقبال أكثر من مليون مسجل جديد في الإنتخابات أغلبهم من الشباب المستجدين على التصويت.
دورة رئاسية ثانية لا بد منها
لذلك من شبه المؤكد المرور إلى دورة إنتخابية رئاسية ثانية وعدم الحسم في الدور الأول وكما عودتنا النهضة برصانتها السياسية وعدم تسرعها في المواقف الإنتخابية فهي لن تجازف بإختيار مرشح يكون جوادها الرابح وهي تعلم علم اليقين بأنه لن يضمن الفوز من الدور الأول ومروره أصلا للدور الثاني غير مضمون لذلك فهي لن تتخذ قرارها إلا بعد المرور للدور الثاني ووضوح الرؤية بالنسبة للمترشحين الإثنين المتبقين وكذلك وهذا هو الأهم على ضوء نتائج الإنتخابات التشريعية التي تكون وقتها قد إتضحت ومن موقع براغماتية ذاتية بحتة للنهضة سوف تزقزق هذه العصافير كثيرا في إنتظار الدعم النهضاوي لكن هذا الدعم لن يتضح إلا بعد الدور الأول وما ستؤول له التفاهمات بين الجانبين وخاصة ما يستطيع تقديمه المترشح الرئاسي من ضمانات لحكومة النهضة القادمة سنة 2020 وعدم تعكير صفوة النجاح الحكومي لفترة تعتبرها النهضة فترة إقلاع نجاحها في تسيير دواليب النهضة والقطع مع الخيبات السابقة.
حتى في الدور الثاني دعم النهضة ليس مضمونا
وفي الدور الثاني الدعم النهضاوي ليس بالأكيد وذلك لعدة عوامل فهي ستقوم بدعم من ترى فيه قدرة على التجانس مع الحكومة في قصر قرطاج خاصة أن الإنتخابات التشريعية حسب كامل سبر الأراء و الواقع السياسي هي محسومة للنهضة لذلك تريد النهضة أن يكون ساكن قرطاج قادرا على التعايش و الإنسجام مع حكومة على رأسها النهضة خاصة أن الحكومة تشترك مع الرئاسة في أهم ملفين وهما ملف السياسة الخارجية خاصة أن سنة 2020 ستشهد الحسم في عديد الملفات خاصة الملف الليبي وما يمثله من إنعكاس داخلي مباشر على الوضع السياسي التونسي وكذلك الملف الأمني بإعتبار رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة و رئيس مجلس الأمن الوطني، وإذا مر للدور الثاني مترشحان يحملان نفس هذه الخصال التوافقية التي تبحث عليها النهضة فهي ستجد نفسها محرجة بالإصطفاف وراء طرف على حساب طرف آخر والأغلب أنها ستلتزم الحياد في الدور الثاني إذا مرت أسماء متنافسة، على سبيل الذكر لا الحصر، من أمثال يوسف الشاهد ، كمال مرجان و قيس سعيّد…
قواعد النهضة الإنتخابية لها مرشحوها
سبب آخر يجعل من الدعم المفترض للنهضة مجرد سراب يتخيله العصفور النادر منبعا لحوالي ثلث الناخبين قادرا على أن يروي ظمأه في طريقه نحو قرطاج وهو وجود مرشحين خاصين بقواعد النهضة يتم إختيارهم مبدئيا دون الرجوع لرأس الهرم في النهضة والمعايير واضحة هي القرب من الهوية الإنتخابية النهضاوية والقطع مع رموز النظام السابق ومناصرة شعارات الثورة.
هذا ما تبّين بوضوح في إنتخابات سنة 2014 في الدور الثاني حيث قررت قيادة النهضة التحالف العلني مع المرشح للرئاسة وقتها الباجي قايد السبسي بعد التفاهم بين الشيخين على إرساء علاقة مبنية على التوافق في حكم تونس، ولكن على عكس ما تم تقريره من قبل القيادة فإن القاعدة الإنتخابية للنهضة مثلت رافعة إنتخابية للمترشح محمد المنصف المرزوقي حيث حصل على أعداد محترمة جدا من أصوات الناخبين وعلاوة على الأصوات المقربة من الخط السياسي للمرزوقي إلا أن الغالبية من ناخبيه هم من القاعدة الإنتخابية للنهضة في معاكسة لتوجيهات الشيخ راشد الغنوشي، وهذا ما يبين وجود إنقسام بين القواعد ورأس الهرم عند النهضة خاصة عندما تتوجه القيادة توجهات إنتخابية بعيدة عن الأدبيات العامة للحزب، لذلك أي دعم ظاهري من رئيس حركة النهضة لا يعني بالضرورة ترجمته في صناديق الإقتراع .
شارك رأيك