بقلم أحمد الرحموني*
لم أكن أحمل عن النائب في مجلس نواب الشعب السيد صلاح البرقاوي إلا انطباعات طيبة يوم كان زميلا قديما- في القضاء- وربما صديقا في فترات بعيدة، غير أنّ اندهاشي قبل الثورة من اصراره الشديد على ترك القضاء الى المحاماة كان بقدر استغرابي بعد الثورة من اقتحامه لا فقط غمار السياسة بل من بوابة الاحزاب…الكبيرة.
ورغم اني لم أكن أعلم منذ أكثر من عقدين من الزمن الشيء الكثير عن مسيرته و تطور أفكاره – بعدان افترقت بيننا السبل- إلا أني لا زلت أذكر ثقافته العالية وحساسيته المفرطة وبعده عن الادعاء مع استقلالية فكرية ومهنية بارزة وإيمان قوي بدور القضاء.
وحتى لا أنسى المقصود من الحديث لفت نظري منذ أكثر من أسبوع اعلان صديقنا النائب – سواء في الصحافة أو حتى في صفحته الخاصة بالشبكة – عن تقديمه يوم 1 جويلية الجاري مطلبا في توجيه سؤال شفاهي الى السيدين وزيري الداخلية والعدل – تم تضمينه بمكتب الضبط بمجلس نواب الشعب – وذلك عملا بأحكام الفصل 146 من النظام الداخلي للمجلس و”حول ظروف وملابسات قضية الارهابي الداعشي انور بيوض و الارهابية المرافقة له والمعاملة الاستثنائية التي لقيها من السلطة التونسية مع الاستفسار عن الاستراتيجية التي وضعتها وزارتا العدل و الداخلية للتعامل مع عموم الارهابيين العائدين من بؤر التوتر…”.
وان كان السؤال – حسبما يلاحظ – متعلقا بشقين فان أول ما يظهر لناظريك – كما يقول الفرنسي – هو سؤال النائب للسيدين وزيري الداخلية و العدل “حول ظروف وملابسات قضية الارهابي الداعشي انور بيوض و الارهابية المرافقة له”. وذلك على اعتبار أن هذا الشق لا يهم اختصاصات وزير الداخلية أو العدل طالما كان ثابتا “ان قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب قد أصدر في حق المتهمين بالانتماء إلى تنظيم “داعش” الارهابي، محمد أنور بيوض ومرافقته، بطاقتي إيداع بالسجن بعد أن تم استنطاقهما ظهر يوم الاثنين 4 جويلية الفارط ، وفق ما أفاد به الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس والقطب القضائي لمكافحة الإرهاب وانه” تم إيداع المتهم محمد أنور بيوض، حسب ذات المصدر، بسجن المرناقية فيما تم إيداع مرافقته بسجن منوبة للنساء”(وكالة تونس افريقيا للانباء-4 جويلية2016).
وبناء على ذلك فإنّ السؤال – من جانبنا – لصديقنا النائب يجد تبريره في هذا السياق بالذات : ماذا يمكن ان يفيدك وزيرا الداخلية و العدل حول ظروف وملابسات قضية المتهمين محمد انور بيوض ومرافقته (هكذا تدعى دائما!) خصوصا وقد تعهد بالقضية وكامل اوراقها قاضي التحقيق المختص وليس لوزير الداخلية ولا لوزير العدل من حيث المبدا أي اختصاص في هذا الشان ؟!
قد يقال ان وزير الداخلية هو المشرف على اعضاء الضابطة العدلية ووزير العدل هورئيس النيابة العمومية ولها ادوار في جميع القضايا وخصوصا في الاجراءات الجزائية!
لكن لا شك انك تدرك ان تلك هي المداخل – وبمثابة الابواب – للحديث عن “سيادة المجلس”و “رقابة البرلمان “ليسهل التدخل في اعمال القضاء عن طريق استخدام وسائل الرقابة السياسية!
لك ان تتمسك – حسبما جاء بمراسلتك الموجهة الى رئيس مجلس نواب الشعب – بأحكام الفصل 146 من النظام الداخلي لمجلسكم الموقر وما تقتضيه من ان “لكل عضو ان يتقدم خلال جلسة عامة بأسئلة شفاهية الى اعضاء الحكومة على ان يوجه اعلاما كتابيا الى رئيس المجلس يبين فيه موضوع اسئلته وعضو الحكومة المعني بالإجابة… “.وهو ما ينص عليه ايضا الفصل 96 من الدستور.
ولنا – في مقابل ذلك – ان نتمسك “بغابة من المبادئ” و “الاعراف الراسخة”و “النصوص الدستورية:
1- فإن كان لك الحق كله في الاستناد الى وسائل الرقابة على عمل الحكومة وكشف ما تريد من مخالفاتها وحتى محاسبتها فليس لك – طبقا للأعراف البرلمانية المستقرة – ان تطرح السؤال حول الاجراءات و الاحكام القضائية وأعمال المحاكم وذلك احتراما للمبادئ الخاصة باستقلال القضاء و الفصل بين السلطات .
2- كما ان علانية التحقيق تقتصر على أطراف القضية في حين انه يبقى سريا بالنسبة الى الاخرين، ولا يمكن أن يخفى عليك ان اعمال التحقيق هي جزء من اختصاص السلطة القضائية فيكون الافصاح عنها انتهاكا لسريتها و السؤال بشأنها تدخلا في اعمال جهة قضائية اوكل اليها الدستور و القانون مهمة التحقيق. واضافة لذلك فان الاستفسار عن وقائع القضايا وملابساتها من شأنه التأثير على سير التحقيق.
3- كما ليس لنا ان ننسى ” مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها”- وهو ما نصت عليه توطئة الدستور – فضلا عن جوهر المبادئ التي اقتضت ان “القضاء سلطة مستقلة .. وان القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون”(الفصل 102 من الدستور)وانه “يحجر كل تدخل في سير القضاء “(الفصل 109 من الدستور).
ألا يجدر بعد هذا أن نرى في سؤال صديقنا النائب حول” ظروف وملابسات القضية” تدخلا في قضية لا تزال منظورة امام القضاء وهل يمكن أن يتمسك بان السؤال يتعلق بأعمال النيابة العمومية طالما كانت النيابة ” جزءا من القضاء العدلي، وتشملها الضمانات المكفولة له بالدستور”(الفصل 115). ؟!
ألا يجدر بوزير العدل وهو زميلي ايضا – و حتى بوزير الداخلية – أن يجيب على ذلك بأنه “لما كانت القضية التي يدور حولها سؤال النائب المحترم لا تزال محل تحقيق امام القطب القضائي لمكافحة الارهاب، فانه يترتب على ذلك عدم جواز توجيه اسئلة شفاهية حولها “؟!
…………………………………………………………………………
*القاضي ورئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
شارك رأيك